«الأخلاق» هى مجموعة من القيم، والعادات والتقاليد التى تجعل الفرد فى حالة توافق مجتمعى وإسعاد نفسى، وإذا تحلينا بها يصبح معظم الناس فى حالة رضا نفسى.
هذا تعريف الأخلاق عند علماء النفس.. ولابد أن نعترف بأن الأخلاق كنا دائماً أهلاً لها.. والسؤال الذى لابد أن نطرحه على أنفسنا «إحنا ليه بقينا كده؟» فبعد أن كنا «المصريين العظماء»، وبعد أن كان يُضْرب بنا المثل فى الشهامة والجدعنة و«معرفة العيب»، أصبحنا «أشباه» أى نشبه من سبقونا فى الخلقة لكننا لسنا نشبههم فى الأخلاق، فالحارة المصرية التى كنا نشاهدها فى الأفلام لم تعد كما كانت ولا أصبح شبابها يتسم بالشهامة والجدعنة التى كان الآباء والأجداد يتمتعون بها.. هل أصبحت ذكرى؟! حتى القرى المصرية التى كانت من سمات أهلها الطيبة والكرم لم تعد كذلك!
ونعود لعلماء النفس الذين يرون أن بعض الآراء تقول إن الرضا النفسى هو المرادف لجودة الحياة وهو المرادف للسعادة والمرادف للإنجاز والإنتاج، لكن العالم اتفق على أن هناك ثلاثة مكونات للأخلاق، التى نطلق عليها «الأخلاق العلمية» التى تجعل الإنسان فى حالة من التوافق والصحة النفسية، ومنها مصداقية الذات، فالإنسان الذى يتحمل المسؤولية تجد عنده عدة أمور منها الانضباط والإتقان ومراعاة الضمير فى العمل، والإخلاص، وفوق ده كله يمتلك ثقافة فى العمل، ليجد السعادة.
فلنصارح أنفسنا بأننا بحاجة للأخلاق لتصحيح صورتنا أمام أنفسنا قبل أن تكون أمام الآخرين، فالكل يعترف بأن السنوات الأخيرة أخرجت أسوأ ما فينا، وطعن البعض الأخلاق فى مقتل وتجرأ عليها بزعم كسر حاجز الخوف، رغم أن الأخلاق لها مسؤولية يتحملها الإنسان مثلما يتحمل المسؤولية القانونية فى سلوكياته، وإن كانت الأخيرة محددة بإطار قانونى يفصل بين المتصارعين، أما المسؤولية الأخلاقية فهى أكبر وأهم لأنها بلا إطار قانونى وإنما يحكمها إطار قائم على القيم والمروءة ومرجعها الضمير الذى يتألم لما يراه من تجاهل لصوته فى كل محافل الحياة من حولنا.
نعم تغيرت سماتنا التى كنا عليها، وأصبح كل شىء «شبه» لما سبقه. ولابد من معرفة أسباب هذا التدهور الأخلاقى الذى حدث فى المجتمع المصرى ومعالجته ليعود لنا تراثنا الأخلاقى.
وبالطبع مواقع التواصل الاجتماعى بالطبع ليست وحدها هى السبب فى ظهور بعض سلبياتنا، لكنها عامل من أهم عوامل التفكك الأسرى، فاصبح كل فرد فى الأسرة يملك «موبايل» ويعطية كل وقته وحتى وجوده فى وسط الأسرة وبين جدران المنزل يجعله وجوداً جسدياً فقط فكل اهتمامه وحواسه مشغولة بشاشة الموبايل، فهو إما يتحدث أو يرسل أو يستقبل رسائل أو يتصفح مواقع التواصل الجتماعى.
تعالوا نتحدث بصراحة عن الواقع الذى نعيشه نحن.. فلم يعد مجتمعنا يوقر الكبير أو يرحم الصغير، الكل يتصارع من أجل نفسه فقط، ويتناسى أن الجميع فى مركب واحد إن غرق غرقوا، ولن تصمد سفينة فى مواجهة الأمواج العاتية إلا بالأخلاق.
والواقع الذى تعيشه مصر منذ سنوات، يدعونا للمطالبة بثورة جديدة، تبدو الحاجة إليها ماسة وعاجلة أكثر من أى ثورة أخرى، هى ثورة أخلاق- نعم أخلاق- وهل هناك غيرها يستطيع أن يعيد الاتزان للمجتمع، فنظرة واحدة على أحوالنا فى العمل والشارع والمسكن سنكتشف معها حجم المأساة التى أصابتنا وغضضنا الطرف عنها بداعى الحرية، دون أن ندرك أن الحرية مسؤولية، فالمجتمع الذى تغيب عنه القيم الأخلاقية سيتحول حتما إلى غابة، يأكل القوى فيها الضعيف، ولا يأمن شخص على نفسه وعرضه. وأيضا أحد أسباب هذا الانفلات كان عقب ثورة يناير، وقد عانى الشعب المصرى ومازال يعانى أساليب سلوكية وأنماطا غير مقبولة وغير مبررة، وكأنه يريد أن يعلن رغبته وعصيانه أنه لن يلتزم فى غياب دولة القانون، وبالتالى انعكس ذلك على أخلاق الشارع ونعانى حاليا بسبب ما أفرزته الأحداث من أزمة كبيرة فى العلاقات الإنسانية والمجتمعية.
وأتذكر هنا حواراً صحفياً أجريته مع الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى ورئيس سابق للجمعية العالمية للطب النفسى، وسألته عن هذا الانهيار الأخلاقى فى المجتمع المصرى عقب أحداث يناير فقال لى- والكلام للدكتور عكاشة- «أى مجتمع فاسد منهار مصيره الانقراض، الأديان كلها نزلت لكى تنظم أخلاق المجتمع، قبل كده كان فيه قوانين قدماء المصريين، كان عندهم منظومة كاملة، مثلاً اللى يلقى قمامة أو ما شابه فى النيل يتعذب بعد موته، وقدماء المصريين لهم تجربة رائعة فى هذه النقطة تحديداً، الواحد لما يموت عنده روحين «البا» و«الكا»، الكا تظل بجانب الجسد تحرسه و«البا» تذهب للإله ليحاسبها، الحساب يكون من خلال مواقف عملها المتوفى فى حياته، هل سبق أن أظهر ضيقاً فى وجه صديق؟ هل سبق أن عاكس امرأة صديق؟ هل رمى أى نوع من القمامة فى النيل المقدس؟ تصور هذه الأخلاق كانت موجودة منذ آلاف السنين عند المصريين، وعلى هذا الأساس بعد ما يتم حسابه بالميزان تنزل «البا» لأن روحه تستطيع أن تعيش الحياة الأخرى وتأخذه فى مركب الشمس إلى الإله، تفتكر شخص كان يعلم أنه لو فعل أى شىء غير أخلاقى لن يبعث هل كان يفعل أى شىء مخالف؟
ربنا خلق للإنسان الفص الأمامى فى المخ وهو غير موجود عند الحيوان، هذا الفص موجود فيه الأخلاق والضمير والحلال والحرام، الخطأ والصواب، التفكير التجريدى وحل المشاكل والأزمات والمعيشة، بالإضافة إلى أنه يتحكم فى الفص الوحشى الذى يضم القوة والشهوة، الجنس، الطعام الموجود عند الإنسان والحيوان، إذا كان الفص الأمامى لا يعمل بكفاءة يصبح الإنسان عنده زيادة فى الفص الوحشى الحيوانى المنفلت أخلاقياً، هذا الفص لا يعمل إلا فى إطار القانون، دون قانون يفلت، إذا أخذت مخدرات فإنها تفقد هذا الفص عمله الصحيح، وتجد الأب يتحرش بالبنت، الست تقتل زوجها، والرجل يقتل ابنته، والولد يقتل أمه، كل هذا لأن الفص الأمامى لا يعمل، من إيه؟ من تأثير المخدرات أو غيبة القانون، وهو ما فعله الإخوان بالمناسبة.
ومازال الكلام على لسان الدكتور عكاشة: «هم حاربوا الشرطة التى تمنع الجريمة، وحاربوا القضاء الذى ينفذ القانون، لأنهم يريدون للفساد أن يعم، وهم وحدهم من يصبحون «كويسين» ولا يرتكبون أى شىء، هم يعرفون ذلك جيداً وكانوا يتحركون من أجله وعملوا غسيل مخ من 80 سنة لأجيال منهم لا تقرأ ولا ترى فى التليفزيون ولا أى شىء سوى الكتب التى يقدمونها لهم، أصبح الشخص معرضاً لغياب الوعى زى المخدرات.
فهم بدأوا بالفعل فى المخطط، هو فيه حد يبدأ ثورة بحرق أقسام الشرطة أو يحاصر المحكمة الدستورية ويحرق محكمة؟ فيه حد فى الدنيا يكسر مدرجات الجامعة؟ ده إفساد للأخلاق، عموماً بعيداً عن الإخوان، فيه معادلة إذا كان فيه فقر وأمية وبطالة فلا تنتظر إلا الانفلات الأخلاقى والعدوان والقلق والاكتئاب».. وهنا انتهى كلام الدكتور عكاشة. وأنتهى أنا أيضاً من كتابة المقال بـ«هو احنا ليه بقينا كده؟».. سؤال لابد أن يسأله كل منا لنفسه ويبدأ يصلح من نفسه بنفسه.