لا يشك أحد فى أن فن السينما وإن كان من أحدث الفنون لكنه أصبح من أكثرها إمتاعا وتأثيرا، ويتعدى الأمر فكرة الإمتاع والتأثير إلى فكرة «الصناعة»، فالسينما فى الخارج تقوم بدور اقتصادى مهول، وتجنى فى الخارج عشرات المليارات، بالإضافة إلى هذا فإنها تؤدى العديد من الأدوار السياسية والإعلامية والترويجية والفنية، فلماذا مازال وعينا بالسينما مغلق إلى هذا الحد؟ ولماذا كلما تكلم أحد عن الارتقاء بمستوى السينما المصرية قال المنتجون «الجمهور عايز كده» وهو كلمة كاذبة جملة وتفصيلا؟
الجمهور «مش عايز كده»، بدليل أن جميع صناع السينما فى مصر يخشون من مواجهة الأفلام الأجنبية، ويحاصرونها بالشكوى والتضييق، سواء فى عدم إتاحة دور عرض كافية، أو فى زيادة الضرائب عليها، والأفلام الأجنبية على تنوعها لا تنصاع إلى رغبات الجمهور فحسب، وإنما تنصاع إلى رؤية المخرج، وحبكة المؤلف وإتقان الممثل، وحرفية بقية عناصر الصورة السينمائية، ومع هذا «الجمهور عايزها» بما يعنى أن الجمهور لا يحتاج التفاهة فحسب، وإنما يحتاج أيضا إلى الإتقان والجودة، ونظرا لأن الإتقان والجودة أصبحا من العملات النادرة فى مصر، فيكون الاختيار الأسهل هو مشاهدة الأفلام التى لا تدعى أنها أتت بـ«الديب من ديله»، لأن الأفلام التى تدعى هذا الادعاء تأتى بالفأر من قفاه.
آن الأوان لنهرب من سينما النصف الأسفل من الجسد، والنصف الأسفل من الوعى والنص الأسفل من الإدراك، فللأسف تغيب القيمة الحقيقية عن إنتاجنا السينمائى، ففى الوقت الذى تصنع فيه السينما العالمية عشرات الأفلام الجذابة عن الآثار واللوحات الفنية والسير الأدبية لكبار المشاهير والناجحين، مخاطبة الروح والقلب والخيال لا نهتم نحن سوى بالسيرة الذاتية لصبرى نخنوخ، ناهيك عن النفى القصرى لجميع قطاعات مصر وأقاليمها عن شاشة السينما كما لو كانت الكاميرات ستعطب والنجوم سيحمضون إن صوروا قصة فى كفر الشيخ أو بنى سويف أو المنيا.
مرة أخرى أقول إن السينما سلاح، وإنى لأرجو أن ينتبه الجميع إلى هذا السلاح الفعال، وأن نحسن استثمار الفرصة المتاحة الآن، وأن نضع فى حسباننا أن مصر بها تنوع جغرافى كبير يجب أن يجد له نصيبا على شاشة السينما، وأن لدينا عشرات الروايات التى تتناول حياة المصريين فى الدلتا وسيناء والبحر الأحمر والواحات والنوبة، ويجب أن ترعى الدولة تمثيل هذا التنوع الجغرافى فى أعمال درامية جذابة، لنكسر قفص الغربة الزجاجى بين المصريين والمصريين، وتصبح السينما ذات قيمة حقيقية تضيف إلينا ولا تخصم من رصيدنا.