ربما تكون النساء فى المجتمع على رأس البعض حباً وكرامة، ولكنهن لسن بالتأكيد على رأس المجتمع كله، لأن البعض من النساء قد لا يستحققن هذا التقدير، ولكل ما أراد ولكل ما يراه فى شأن نفسه وفى شأن تقديره الخاص، فليست النساء كلها غلابة فى الحقيقة، وربما كان الشيطان هو الغلبان وإن كان لا يستحق الرثاء فى حالته فى كل الأحوال.
وعلى الجانب الآخر، فإن الرجال فى المجتمع المصرى ليسوا ملائكة كلهم بالطبع، ولكنهم أيضاً، وبكل تأكيد، ليسوا نهيبة للنساء ولا لغيرهم ليصبحوا ملطشة ويتم الاستيلاء على أموالهم بمسميات متعددة فى إطار رابطة الزواج، والتى هى فى الأصل رابطة رحمة وألفة وبناء، وليست رابطة تربح للنساء على حساب الرجال، فقد أصبح الزواج – وفقا لآراء كثيرين – تجارة وتصيداً لأموال الناس بالباطل، رغم أن ما يدفع الرجل إلى الارتباط وما يدفعه إلى الإقدام على الزواج – رغم صورته القاتمة فى مصر حاليا – هو رغبة الرجل فى تكوين أسرة وبيت، فكيف تكون نهاية الرجل سلب أمواله بكل تلك المسميات وتعريضه للسجن وتهديد مستقبله، بينما تظل المرأة غلبانة ومكسورة؟ فلتكن المرأة مكسورة أو غير مكسورة أو غلبانة كيفما شاءت وشاء المتحزبون لها بغير حساب وبغير ميزان، ولكن هذا الكسر وهذا الغلب لن يجديها نفعاً، والرجل يهرب من الزواج بها إلى أشكال أخرى من العلاقات وإلى الزواج من جنسيات أخرى تعرف قدر الحياة وتعرف قيمة الرجل، وتعلم جيداً أن الزواج رابطة سكينة ورحمة وليس رابطة سلب ونهب ومكر وكر وفر وادعاءات خائبة وحركات ومسرحيات تنتهى بنهايات مأساوية وخائبة القصد والمنال بالنسبة إلى المرأة، وإن كانت تضحك وتتلذذ بما طالت من إيذاء للرجل وبما طالت من ماله، فكل من خسرت رجلا طيبا قد خسرت أشياء كثيرة أكبر وأكثر من أن تعوضها وحيدة أو مع رجل على طبعها المنفر الذى سلك بها هذا المنحدر وأسلمها وحيدة إلى الحزن والهم.
إن المرأة والرجل صنوان فى شجرة المجتمع والحياة ويتقاسمان الحقوق والواجبات بالعدل والإنصاف ولا ريب فى ذلك، والكل يحارب من أجل حقوق المرأة من الصباح وحتى المغيب، وهذا من دواعى السرور والبهجة فى زماننا هذا، وقد تبوأت المرأة مواقع كثيرة وتمتعت بنفس الراتب وبالنفاذ إلى وظائف كثيرة بالعدل والحق، حيث لا فرق بين رجل وامرأة إلا بالجهد والمهارة والقدرة والعطاء وروح المبادرة والابتكار وما إلى ذلك من عوامل التميز الأخرى التى يمكن أن تمنح شخصا مرتبة أعلى من آخر فى مكان ما أو فى عمل ما. ومع ذلك، فقد هربت المرأة من مواقع عديدة، لما قد يعترى هذه المواقع من شقاء وتعب وسهر وربما قلة خصوصية، وتضامن المجتمع مع المرأة أو تغاضى عن سلوك المرأة فى تلك المواقع - إعمالا للعدل وللمساواة التى تحارب من أجلها المرأة وأنصار المرأة وجيوش المرأة وعالم المرأة وبرنامج المرأة وجمعية المرأة والمجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للصريخ الى آخر تلك القائمة الطويلة من الكيانات التى تحارب تحت لواء حقوق المرأة – كما فى حالة الخدمة فى مواقع الأزمات. وكما فى حالة الخدمة فى أوقات الخطر وفى أعمال الخطر وفى أوقات الليل وفى المناطق غير الآهلة لتقتصر الصعوبات على الرجال دون أن يكون ذلك ظلما وإجحافا للرجل ولا اعتداء على حقوقه، والكل يتفهم، لأن المرأة أم وأخت وإلى آخره.
ولكن أن نطور مرحلة ثالثة من الحقوق تحت مسمى أو تعبير "المرأة غلبانة" لتتمكن بعض النساء من الاستيلاء على حقوق ليست لهن وبسيف الحياء وبسيف التجبر فهذا ما لا ينفع المرأة نفسها ولا ينفع الرجل ولا ينفع المجتمع، فكل استيلاء على حق للغير دون حق هو عمل غير مشروع، ولا يوجد بين الحق والباطل وجه ثالث يدعى "غلبانة".
وما قد نشهده من تصريحات وأشباه التصريحات بين الفينة والفينة بما قد يوحى إلى الجميع بأن "الغلب المزعوم" وجه من أوجه الحق الذى تستحق به المرأة نيل العذر عن تصرفاتها أو يتيح لها الاستيلاء على بعض مال الرجل أو ماله كله فى كل الأحوال وبصرف النظر عما فعلت، فهى تصريحات متجنية على الرجل وعلى المجتمع وعلى المرأة وعلى الحق وعلى الحقيقة، ولا تلزم أحداً إلا من يطلقها ويتشدق بها.
وإذا لم يعجبه هذا أو لم يصدقه فليراجع الإحصاءات التى يصدرها المجلس القومى للمرأة، والتى يستنجد فيها بمن قد يستطيع المساعدة فى مصيبة وقوع حالة للطلاق كل دقيقتين فى مصر، مشيرا الى كون الطلاق خرابا للبيوت وهدما للأسر.
إن الطلاق هدم للأسر، ولكنه فرار من الهم والغم الذى يصنعه المتشدقون بحقوق المرأة ليلا ونهارا ويصنعون منها كائنا غريبا، لا هو بالرجل ولا هو بالمرأة، ويصنعون من المرأة كائنا قيسبوكيا ملازما للفيسبوك ومتشحا باللسان الطويل وبعويل الأقاويل وقصص الخيبة والبهتان الأصيل.
ولن يؤدى التحزب أو المبالغة المفرطة فى مناصرة ما قد يسمى بحقوق المرأة وإنصاف المرأة الغلبانة إلا إلى استقواء المرأة وتجبرها ثم عزلتها ووحدتها ونفور الرجال منها وهروبهم الى نساء مجتمعات أخرى أكثر أنوثة وأقل طمعا . فلتبق المرأة على رأس من يحب، ولو كانت حنشا. ولتبق الحرية للرجال الذين لا يتنازلون عن كرامتهم للحنش ولا يرضون أن يكونوا نهيبة لأحد، حفظ الله مصر دولة مدنية يتساوى فيها الرجال والنساء فى الحقوق والواجبات، وحفظ الله رئيسها ووفقه إلى الخير.