الجماهير بهجة كرة قدم، والضلع المتمم لهذه الرياضة من حيث كونها صناعة أيضا، فعندما نبحث عن تمويل للعبة فى العالم بخلاف التربح من انتقالات اللاعبين، تتجه أنظارنا على الفور للمنتمين لهذا النادى أو ذاك الذين يشترون تذاكر مبارياته وقمصان لاعبيه وتذكارات مناسباته المهمة ويتبرعون له أيضا، ولا يمكن أن تقوم صناعة قوية لكرة القدم عندنا ما دامت المدرجات خالية، بل لا يمكن أن تتطور فنون الكرة نفسها بدون آهات الجماهير وتشجيعهم الذى يدفع اللاعبين إلى القتال والاستعراض فى الملعب
ورأينا جميعا، كيف تحولت كرة القدم فى مونديال روسيا، إلى كرنفال من المتعة والتعدد والبهجة والإخاء والجمال، بفضل الجماهير الآتية من كل بلاد العالم وراء الساحرة المستديرة، رغم أن هذا المونديال من أضعف دورات كأس العالم من حيث فنون كرة القدم وإثارتها وصراعها ونهاياتها الدرامية، ربما لأن هذا المونديال يشهد بالصدفة نهايات أجيال من اللاعبين الكبار فى منتخبات بلادهم وبزوغ آخرين صغار لم يصلوا بعد إلى مستوى التألق، وربما لأن عددا من المنتخبات الكبيرة المصنفة ودعت المسابقة مبكرا دون أن تقدم إبهارها المعهود، لكن تظل الجماهير المحبة للعبة هى المحرك والقلب النابض للمونديال.
عندنا، تجرى خطوات على الأرض فى طريق عودة الجماهير المنشودة، ولعل أهمها اتجاه الروابط الرياضية «الألتراس» إلى حل نفسها، فهذه الروابط تحولت خلال السنوات الماضية وخصوصا بعد ثورة 25 يناير 2011، إلى نوع من الواجهة يتستر وراءها من يريد أن يخرب أو يحرق أو يدمر أو يرتكب جريمة ضخمة فى حق المصريين، ورأينا كارثة ستاد بورسعيد والمقصود منها وقت حدوثها ليس فقط تخريب الرياضة المصرية، بل تخريب الحياة السياسية المصرية بكاملها ونقل العنف الموجه إلى ميادين التجمعات الجماهيرية الكبيرة بهدف تفجير البلاد من داخلها بمقدمات للحرب الأهلية، وكم من حروب أهلية قامت لأسباب أقل بكثير مما حدث فى ستاد بورسعيد وكم من عمليات احتلال لدول ومن بينها مصر حدثت بسبب مشاجرة، نعم مشاجرة بين مصرى وخواجة مالطى ثم جرى استخدامها وكأنها حرب بين المصريين والأجانب استدعت تدخل الأسطول البريطانى فى الإسكندرية ليستمر الاحتلال البريطانى لمصر أكثر من ثمانين عاما.
لنجعل من مونديال روسيا سببا ومقدمة وجيهة نبنى عليها فى اتجاه إعادة الجماهير للمدرجات المصرية، خاصة بعد حل الروابط الرياضية نفسها لتفويت الفرصة على من يحاولون استغلالها للقيام بأعمال تخريبية أو الدعاية للجماعات الإرهابية وفى مقدمتها جماعة الإخوان، نعم يمكننا أن نستلهم التجربة الروسية فى تخصيص عدد المتفرجين فى كل مباراة وطريقة إصدار التذاكر وتداولها بحيث تصبح وكأنها جواز مرور للمشجع مدون عليها بياناته الكاملة، وبالتالى تعظيم مسؤولية المشجع عن خروج المباريات بسلام، وكذا إمكانية استدعائه حال وقوع ما يعكر صفو المباراة لا قدر الله.
الدروس المستفادة من مونديال روسيا فى اتجاه عودة الجماهير المصرية للملاعب كثيرة، ويمكن للمسؤولين دراسة التجربة والاستفادة من الخبرات الروسية المتحققة ليس فقط لتأمين الجماهير أو العبور بالمباريات إلأى بر الأمان، وإنما لتحويل الحدث الرياضى إلى مناسبة ترويحية وتجارية وتسويقية لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، مباراة كرة القدم يا جماعة الخير مهرجان كبير يمكنه تحفيز الاقتصاد والصناعة والرياضة معا، وسؤال كيف نفعل ذلك؟ إجابته فى مونديال روسيا!