يشهد العالم الآن حربا لا يدرك كثيرون ماهيتها، ولماذا انطلقت الآن، ومدى تأثيرها على مصر والشرق الأوسط؟
ففى الوقت الذى تطبق مصر سياسة الإصلاح الاقتصادى، وتقوم فيه قوات الجيش العربى السورى بمحاولة تحرير الجنوب السورى، وتجرى الترتيبات اللازمة للقاء القادم المزمع بين بوتين وترامب، بدأت الولايات المتحدة تنفيذ فرض رسوم جمركية على بضائع صينية تبلغ قيمتها 34 مليار دولار، فى إشارة إلى بدء الحرب العالمية التجارية بين القطبين الأعظمين اقتصاديا الولايات المتحدة والصين، وقالت وزارة التجارة الصينية: «تعهد الجانب الصينى بعدم إطلاق أول طلقة، ولكنه مجبر على الرد لحماية مصالح شعبه»، وبالطبع يسود القلق فى الأسواق المالية والشركات العالمية من هذه الحرب.
لكن ترى ما الأسباب التى جعلت ترامب يعجل بذلك؟ وما علاقة بداية الحرب بالتقارب الأمريكى الكورى الشمالى من جهة واللقاء المزمع بين بوتين وترامب من جهة أخرى؟
لو عدنا للوراء قليلا إلى منتصف ديسمبر الماضى، حيث جرت مكالمة هاتفية بين ترامب وبوتين بعد انقطاع، وأعلن بعدها المكتب الصحفى للكرملين فى بيان له: «تمت مناقشة الوضع بمناطق الأزمات مع التركيز على تسوية المشكلة النووية لشبة الجزيرة الكورية»، وأضاف أن الرئيس بوتين صرح بأن «روسيا سوف تساعد فى التسوية بين البلدين».
وفى الوقت الذى اطمأن فيه ترامب إلى أن روسيا سوف تساعد فى التقارب الجديد مع كوريا الشمالية، جاءت توقعاته بالنسبة للصين مخالفة، ووفق ما ذكرت فى منتصف يناير العام الماضى إنتر فاكس الروسية على لسان زهانج باوهيو، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لنجنان فى هونج كونج، أن «الصين تخشى من خسارة الهيبة إذا ما نجحت الولايات المتحدة فى السيطرة فى شمال شرق آسيا»، وأكد أن الصين منذ الحرب الكورية التى دارت (1950/1953) ووقفت بجانب كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت بيونج يانج جدارا عازلا للصين ضد وجود أى قوات أمريكية على حدودها، لذلك قاومت الصين بقدر ما تستطيع التقارب الأمريكى الكورى الشمالى، وفرضت على كوريا الشمالية عدم التوقيع على اتفاقات واضحة، وتدفع إلى تعقيد المفاوضات المرتقبة حول نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية حتى لا تتغير ثوابت أصبحت راسخة للصين فى شمال شرق آسيا، لأن أى اتفاق بين كيم وترامب حول نزع السلاح النووى مقابل تطبيع العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية فإن شمال شرق آسيا سوف تتغير معالمه العسكرية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.. كما أنه لو توحدت الكوريتان مستقبلا فسيمثلان أكبر خطر على الصين ونظامها السياسى. لذلك لم يجد ترامب من سبيل إلا البدء فى الضغط على الصين بالحرب التجارية، ولكن ترى هل ترد الصين بالتقارب مع إيران كرد فعل للتقارب الأمريكى مع كوريا الشمالية؟
على الجانب الآخر هناك قوة أخرى لها دور فى تلك الحرب، وهى الاتحاد الأوروبى، حيث قالت مفوضة التجارة فى الاتحاد الأوروبى مسيسيليا مالمستروم على تويتر إنها «قلقة من فرض رسوم جمركية مضادة بين أمريكا والصين لأنها ستكون مدمرة للاقتصاد العالمى، لأنه بوضوح الحرب التجارية ليس من السهل الفوز فيها».
يبقى الموقف فى مصر حيث يبلغ نصيب الصادرات المصرية من إجمالى واردات الصلب إلى الولايات المتحدة 173،3 ألف طن، بقيمة تصل إلى حوالى 100 مليون دولار وهو يعنى التأثير السلبى، من جهته قال سعيد عبدالله، رئيس قطاع التجارة الخارجية بوزارة التجارة والصناعة، فى تصريحات صحفية، إن أجهزة الوزارة تجرى تقييما شاملا لتأثير الإجراءات العقابية فى المجال التجارى بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى والصين وباقى دول العالم، لقياس تأثيراتها المحتملة على الاقتصاد المصرى، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتفادى تعرض الاقتصاد للأضرار من تلك الإجراءات، وأضاف أن بعض منتجات الصلب المصرية التى يجرى تصديرها تضررت من قرار الرسوم الحمائية الذى اتخذته إدارة الرئيس الأمريكى ترامب، وأخطرنا واشنطن بهذا الضرر، مطالبين استثناء مصر من رسوم الحماية الأمريكية، استنادا إلى أن صادراتنا رقم ضئيل جدا، موضحا أن بعض الدول المنتجة للصلب والمصدرة للأسواق الأمريكية ستبدأ البحث عن أسواق بديلة، منها مصر، وفى مقدمتها تركيا والصين ودول الاتحاد الأوروبى، ونحن مستعدون للتعامل مع هذا السيناريو حال حدوثه عبر عدة أدوات، منها الرسوم الجمركية والتقييدية، ونظام تسجيل المصانع الموردة لمصر والإجراءات الفنية، حتى لا تُضارّ مصانعنا، لافتا إلى وجود فرص لاستفادة صادراتنا من هذا الموقف حال استثناء منتجاتنا من الصلب المسطح فى السوق الأمريكية.
لكن الأزمة لن تتوقف على الصلب، لأنه، ووفق ما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، الجمعة الماضى، الرسوم الأمريكية الجديدة ترفع الستار عن المواجهة الأكثر عدوانية على مدى عقود لممارسات بكين التجارية، وأوضحت الصحيفة أن القائمة الجديدة تشمل غسالات الأطباق وأجهزة التليفزيون وقطع غيار السيارات، ولا تشمل الدعائم الأساسية للبيع بالتجزئة مثل الأحذية والملابس والهواتف المحمولة والأثاث، إذ إن فرض رسوم جمركية على مثل هذه المنتجات قد يتسبب فى إثارة رد فعل سلبى من جانب المستهلك الأمريكى، لأنها ستؤدى إلى رفع الأسعار فى محال التجزئة الأمريكية، وقالت السفارة الصينية فى واشنطن، إن تلك الإجراءات الحمائية أحادية الجانب تنتهك بشكل جسيم مبادئ منظمة التجارة العالمية وقيمها الأساسية
فى كل الأحوال فإن الخلفية السياسية للحرب قد تكون أكثر تكلفة من التكلفة الاقتصادية، ومن ثم يجب دراسة الآثار السلبية السياسية من تلك الحرب خاصة ونحن من الدول الأكثر أهمية للأقطاب المتصارعة.