نعيش زمنًا أصبح فيه القابض على وطنيته، كالقابض على جمر من النار، فالمساند والداعم لوطنه ومؤسساتها، يصبح متهمًا بـ«ازدراء الخونة»، و«مطبلاتى» و«عبيد البيادة» و«كلب السلطة»، فى الوقت الذى تحول فيه الخائن الداعى دائمًا لإثارة الفوضى والتخريب، والقتل والتدمير، إلى ثائر نقى وطاهر نقاء الثوب الأبيض من الدنس، وناشط سياسى لا يشق له غبار، وتلاحقه وسائل الإعلام المختلفة لاستضافته.
زمنًا جعل من مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«تويتر» آلهة، لها ديانتها التكفيرية، والمبشرة بكل ما هو مخرب ومدمر للأوطان المستقرة، جوهرها الكذب ونشر الشائعات، واغتيال سمعة الشرفاء، وضرب الاستقرار، وإثارة الفوضى، والتشكيك فى الحقائق وتشويه الإنجازات، وإثارة البلبلة بين الناس، وللأسف استغل هؤلاء «الآلهة» أمية وطيبة كثير من المصريين لاعتناق ديانتهم المخربة والمدمرة، وتصديقهم، والسير خلفهم من خلال إعادة «تشيير البوستات على فيس بوك» و«الريتويت على تويتر».
وتجبرت «آلهة» السوشيال ميديا، بطريقة باتت تهدد استقرار وأمن المجتمع، ونشر الارتباك الشديد بين الناس، وهى الحالة التى عاشها المجتمع اليونانى إبان عصر «السفسطة»، عندما سيطرت مجموعة من الفلاسفة، يتمتعون بقدرات خطابية وثقافية مبهرة، واستغلوها فى الترويج لأفكارهم فى «الشك» فى كل شىء، والعمل على الشىء ونقيضه، وكانت نتائجه انهيار المجتمع اليونانى، فانقلبوا على السفسطائيين، وقتلوهم جميعًا.
«آلهة» السوشيال ميديا، رسالتها الجوهرية نشر الشائعات، وغسل عقول الناس بمادة الكذب الكاوية، ليسيروا خلفهم فى مسار اعتناق ديانتهم، والتعبد فى محرابها، وكان نتاجه على سبيل المثال، أنه وفى شهر واحد تم رصد قرابة 25 ألف شائعة، بواقع 800 شائعة يوميا، وبمعدل شائعة كل دقيقة، ونعيد طرح السؤال، أى مجتمع ينشد الاستقرار، ويتطلع إلى جذب الاستثمارات، وإقناع السياح بزيارة بلاده، يتحمل مثل هذه الشائعات الخطيرة؟! وهل تقدم الأمم أصبح رهنا بوجود السوشيال ميديا «فيس بوك وتويتر»؟ وهل عدم وجودهما يعد تخلفا وتقهقرا وتراجعا لعصور الظلام؟!
وإذا كان السبب الرئيسى لتدشين السوشيال ميديا، هو التواصل الاجتماعى الأسرع والدائم بين الأهل والأصدقاء والأحباب، المغتربين والمنتشرين فى بقاع الأرض، فإن المصريين وكعادتهم الدائمة، فرغوا مضمونه ورسالته من التواصل بين الناس، إلى تدمير الأوطان وتخريب العلاقات واغتيال سمعة الشرفاء، عن طريق نشر الشائعات، فزاد الارتباك والتأجيج والقلق والتوتر، وتفسخت العائلات والأسر، واستفحل خطر الطلاق ووصل لمعدلات خطيرة تجاوزت الـ%60 لتتصدر مصر المقدمة من بين دول العالم.
السبب فى هذا الانقلاب فى تغيير نهج ومضمون مواقع التواصل الاجتماعى الذى تأسس من أجله، اقتحام جماعات إرهابية وحركات فوضوية ومجموعات الابتزاز السياسى وتحقيق المصالح الخاصة، لهذه المواقع، وتحويلها لمنابر وأبواق تنفيذ مخططاتها الرامية لإسقاط البلاد وتشريد العباد.
المصيبة أنه ووسط اشتعال نيران هذه الشائعات فإن قانون «الجريمة الإلكترونية» مازال حبيس الأدراج، ولم يتم تفعيله رغم موافقة مجلس النواب عليه، والسبب أن الحكومة لم تنتهِ من إعداد اللائحة التنفيذية للقانون، ومن ثم فإن تنفيذه معطل بفعل فاعل «الحكومة» وكأنها فى غيبوبة، وأن ما يحدث من شائعات لإشعال الفتن فى هذا الوطن لا يعنيها من قريب أو بعيد!!
شىء لا يصدقه عقل، مجلس النواب يناقش قانون يكافح الجرائم الإلكترونية ويتضمن مواد رادعة، ويناقشه ويقره، ثم يتم وضعه فى الأدراج لتخزينه، لأن الحكومة «بسلامتها» لم تعد اللائحة التنفيذية حتى الآن، رغم ما تتعرض له البلاد من حرب شائعات خطيرة!!
إن قانون الجريمة الإلكترونية يحمل العديد من العقوبات الرادعة التى تجمع بين الحبس والغرامة المالية لكل من يتورط فى الترويج لشائعة، على مواقع التواصل الاجتماعى، فهل الحكومة تتابع ما يحدث، أم أنها تضع يدها فى الماء البارد، بينما نار الشائعات فى أقوى مراحل اشتعالها؟! وهل الحكومة تابعت ما حدث عقب اشتعال النار فى مصنع للبتروكيماويات بالقرب من المطار، وأدى إلى انفجارات، وحاولت الجماعات المتطرفة والحركات الفوضوية العبث بأمن واستقرار الوطن فى ليلة الخميس الماضى، وعاش فيها المصريون حالة من الخوف والرعب..!!
والسؤال: متى تتحرك الحكومة، وتستيقظ من غيبوبتها، وتعتكف لإعداد اللائحة التنفيذية لقانون الجريمة الإلكترونية، وبسرعة، لوضع حد لمهازل ما تصنعه لجان الذباب الإلكترونى، الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية، وحلفائها والمتعاطفين معها، وعلى مؤسسات الدولة المعنية، أن تتحرك أسرع من هذه اللجان، لأن الرد السريع على الشائعات دون انتظار، يقضى عليها فى حينها، كما يجب ألا تتعامل بسياسة رد الفعل، وتمتلك المبادرة السريعة، لأن هناك فارقا شاسعا بين الفعل ورد الفعل..!!
الأمر جل خطير، ويحتاج وقفة حاسمة، فحرب الشائعات أخطر من الحروب العسكرية التقليدية، فالعدو مجهول، وضرباته خطيرة تشل عصب وحدة وأمن واستقرار المجتمع!!
ولك الله ثم جيش قوى وشعبا صبورا يا مصر...!!