الجنسية هى رابطة سياسية وقانونية تربط الفرد بالدولة، وتحدد ملامح الحقوق والواجبات، وتعد معيارًا مهمًا لتحديد من هم رعايا الدولة، لتخصص ثرواتها ومواردها لهم، وحقهم فى تولى الوظائف العامة والمهمة.
والاقتراح الذى تبناه عضو بالبرلمان منذ عامين، والخاص بـ«بيع الجنسية لمستثمرين فى مقابل وديعة كبيرة»، أمر خطير، ونقلة مهمة فى انتهاك القيم الوطنية، واختلاط أنساب الانتماء والأجناس، وضربة موجعة للهوية المصرية من لغة وعادات وتقاليد، ورصيد حضارى كبير، ولذلك تم رفض مناقشة الطلب حينذاك.
ثم فوجئنا أمس الأول بالبرلمان يناقش مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 89 لسنة 1960، بشأن دخول وإقامة الأجانب فى مصر والخروج منها، والقانون 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصريّة، ويعلن موافقته على التعديلات، وهنا حدث خلط شديد، واشتعلت نار الأسئلة، هل البرلمان وافق فعلا على منح الجنسية مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز الـ7 ملايين جنيه لأى أجنبى يستطيع الدفع، أم أن موافقته منح الإقامة فقط لمدة 5 سنوات فقط، وعقب انتهاء فترة السنوات الخمس، من حق المقيم أن يتقدم بطلب الحصول على الجنسية، والحكومة تدرس حالته وفق شروط أمنية صارمة؟!
الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، وفى جلسة البرلمان أمس الاثنين، أكد بشكل قاطع أن الجنسية المصرية ليست للبيع، وأن مشروع القانون الذى وافق البرلمان عليه فى مجموعه مساء الأحد، مأخوذ من نظيرة الفرنسى الذى يجيز منح الجنسية بإقامة طويلة، وهذا الأمر مقرر منذ سبعينيات القرن الماضى، وأن ما ذكرته وسائل الإعلام بأن منح الجنسية بمجرد توافر الشروط غير صحيح، لاسيما أن السلطة التنفيذية لها سلطة تقديرية فى منح الجنسية، وهو جوازى لمن تنطبق عليه الشروط، فقد ترفض منحها لشخص ما ودون أبداء الأسباب وعلى المتضرر اللجوء للقضاء.
إلى هنا، بدد الدكتور على عبدالعال المخاوف التى سكنت صدور الكثير من المصريين، خاصة أن معظم دول العالم تعمل بمثل هذا القانون، سواء الدول لكبرى أو المنتمية للعالم الثالث، وتأسيسا على التطمينات المهمة بأن منح الجنسية مشروط بموافقة الحكومة من عدمه، وليس الحصول عليها مقابل «الشراء» لكل من يستطيع أن يدفع 7 ملايين جنيه!!
وفى ظل تقدم الحكومة بمثل هذه التعديلات، كنت أتمنى من الحكومة والبرلمان التقدم أيضا بمشروع قانون سحب الجنسية من كل مخرب ومدمر وخائن لهذا الوطن، أو منتميا لجماعة إرهابية مثل جماعة الإخوان، تخطط ليل نهار لتنفيذ عمليات إرهابية، وتضع يدها فى يد كل أعداء البلاد، وتستدعى الخارج للتدخل فى الشأن الداخلى المصرى، وإن فعلتها الحكومة، أو البرلمان، كان سيلاقى استحسان الإجماع الشعبى!!
إذن ومن خلال التوضيح بأن القانون لن يمنح الجنسية المصرية مباشرة لكل من يستطيع تسديد 7 ملايين، وأن الأمر فى يد الحكومة، فإنه لا خوف من أن يحصل أتباع «موزة» و«تميم» بجانب الأتراك أتباع أردوغان، من شراء الجنسية، ومن ثم يتحولون إلى مواطنين مصريين لهم الحق فى شراء الأراضى، والعقارات، وإقامة كيانات إعلامية، من صحف وقنوات، وتأسيس أحزاب، وشراء ولاءات سياسية، وإعلاء النعرات الطائفية ما بين شيعة وسنة وأقباط، وغيرها من الطوائف؟
ومخاوف المصريين من بيع الجنسية مشروعة ومقدرة، خشية تسليم الخنجر لأعدائها لطعنها فى مقتل، واستقبال كل المتطرفين من كل حدب وصوب للحصول على الجنسية، وتبنى أفكار طائفية، والعمل على إثارة القلاقل، وإشعال نار الفتن، وستجد هجمة شرسة من القطريين والأتراك وقيادات حماس لشراء الأراضى.
بجانب أيضا مخاوف أن مصر فى الأصل تعانى من زيادة سكانية خطيرة، تلتهم كل محاولات تحسين الأوضاع الاقتصادية، فكيف نبيع الجنسية لمواطنين من كل حدب وصوب، ليأتوا ويعيشون بيننا؟
الدكتور على عبدالعال، وضع النقاط فوق الحروف، وأوضح الحقائق، وقال نصا إنه لا يمكن بيع الجنسية المصرية ولا بمال قارون، ونؤكد على ما قاله رئيس مجلس النواب، ونقول لا يمكن أن نقبل ببيع الجنسية حتى ولو حققت أموالا طائلة للخزانة العامة، فالحرة الشريفة العفيفة تموت جوعًا، ولا تأكل بثدييها، ومسألة بيع الجنسية هو بمثابة تقديم كبريائنا وكرامتنا وجبة شهية على موائد كل من يدفع أكثر لشرائها.
ويبقى السؤال الأهم، لماذا لا تخرج المصطلحات الدقيقة والتوضيح المباشر والمفهوم دون لبس عند مناقشة قانون أو اتخاذ قرار من البرلمان أو الحكومة بمؤسساتها الرسمية المختلفة، حتى لا نعطى الفرصة للجان الذباب الإلكترونى الإخوانى، العبث ونشر الشائعات وإثارة البلبلة، وهو ما حدث أمس الأول عندما نشرت شائعات بيع الجنسية مباشرة مقابل 7 ملايين جنيه، رغم أن القانون واضح وأن منح الجنسية، هى من اختصاص الحكومة الأصيل، ووفقا لشروط وتقديرات الموقف..!!
ولك الله ثم جيش قوى وشعب صبور يا مصر...!!!