بمناسبة رحيل الصديق والكاتب والمترجم أحمد يوسف ذكرت أنه بقدر ما كان معروفا للمثقفين والسينمائيين كناقد وكاتب ومترجم مبدع، فقد كان بحكم الدراسة والتخصص والعمل من الخبراء فى عالم الدواء وصناعته وتجارته، وأنه كان أحد مصادرى المهمة فى عدد من التحقيقات والموضوعات والدراسات فى هذا العالم المعقد، فقد عمل أحمد يوسف منذ تخرجه فى إدارة الصيدلة بوزارة الصحة، وهى التى تتعامل مع كل ما يتعلق بالدواء، صناعته واستيراده ومتابعته وتسعيره ومتابعة عمل الصيدليات ومنافذ توزيع الدواء.
عمل أحمد يوسف فى قطاع الدواء لأكثر من ثلاثين عاما، كان فيها يتعامل بكل شرف وأمانة، وعندما تعرفت عليه قادنى إلى عالم الدواء والعلاج وعرفنى على العديد من المصادر المهمة، سواء فى صناعة الدواء أو الاستيراد والتوزيع ومندوبى الشركات العالمية، وعرفت منه كيف تلعب شركات الدواء الكبرى أدوارا لترويج وتسويق أدوية غالية الثمن على حساب أصناف محلية رخيصة ولا تقل عنها فاعلية. ويومها كان هناك دواء حديث لعلاج أمراض المعدة، كانت الشركة المنتجة تقوم بعمليات تسويق من خلال مؤتمرات وإعلانات، وأثبت لى أن البديل المصرى لنفس الدواء يقل عشر مرات فى سعره، لكنه اختفى لأن الأطباء لم يعودوا يصفونه.
وتعرفت على طرق التسويق التى تتبعها شركات الدواء العالمية لاكتساح الأسواق، وهى طرق أشبه بتسويق الملابس والغذاء والألعاب، وتنظيم الشركات مؤتمرات بعناوين علمية وطبية، لكنها مجرد رحلات ترفيهية حتى تضمن ترويج الأدوية، وأن يهتم الأطباء بكتابة المنتجات الخاصة بهذه الشركة أو تلك، ويصل الأمر إلى صرف مكافآت لمن يكتبون أصنافا معينة من إنتاج هذه الشركات.
كنا فى منتصف التسعينيات من القرن العشرين، وكان فيروس الكبد الوبائى منتشرا، والتقيت بأحد خبراء صناعة الدواء، وكان وكيلا لشركة عالمية فى صناعة الدواء وسألته عما إذا كانت هناك أدوية للفيروس القاتل، فقال لى إن الشركات الكبرى أنفقت مليارات على أبحاث أدوية موجودة فى الأسواق الآن، ولا يمكنها فى حال التوصل إلى دواء جديد أكثر فاعلية أن تطرحه فى الأسواق قبل أن تستعيد ما أنفقته على الأدوية الحالية حتى لو كانت أقل فاعلية.
وأخبرنى الراحل أحمد يوسف أن بعض الشركات الكبرى تؤخر طرح أدوية حديثة أكثر فاعلية للأمراض الخطيرة، وقد يستمر التأخير سنوات حتى يمكنها بيع ما أنتجته من الأصناف الحالية، وكشف لى كيف تتم عمليات تهريب الأدوية وكيف يتحكم عدد محدود من المستوردين فى كميات وأسعار الأدوية المستوردة، وأيضا عالم صناعة وتجارة الخامات الدوائية.
كان أحمد يوسف يقدم لى كل ما يمكنه من معلومات ومصادر ومراجع، مثلت لى كنزا من المعلومات وساعدتنى فى التعرف على بعض خيوط صناعة وتجارة واستيراد وتوزيع الدواء فى مصر والعالم، وكان يفعل ذلك بهدف كشف الحقيقة والدفاع عن حق المرضى فى مواجهة عالم يحولهم إلى سلع.
لقد كان أحمد يوسف مصدرا عرفنى على عالم تجارة وصناعة الدواء، وهو عالم شديد التعقيد، والتشابك. قام بدور لا يقل عن دوره ككاتب ومثقف كبير، وفى عمله بالصيدلة والدواء كان بنفس الحماس والإخلاص.