على عكس ما تعتقد، لا أشعر كثيرًا بالغضب من قطاع النشطاء أو كتائب الهرى على الفيس بوك وتويتر، بل أشعر بشفقة على تلك المجموعة التى لم يصبها دور العبرة والعظة من خسائرها المتتالية خلال السنوات الست الماضية، أشعر بحزن حقيقى، مواقع التواصل الاجتماعى التى كادت أن تكون وسيلة مهمة للضغط وكشف الأخطاء، ولكنها تحولت على أيدى مراهقين تخطفهم النكتة، ويسيطر عليهم الإفيه إلى أداة للشائعات يكرهها الناس ولا تتمتع بثقة الشارع.
ملخص الأحداث الذى لا يريد أن ينظر إليه أحد، أن قطاع النشطاء وكتائب الهرى خسروا كل معاركهم فى التحول إلى تيار سياسى قوى وأداة ضغط يسمع لها ويحترمها الناس، سقطوا فى مستنقع السخرية وإهانة كل قيمة وكل مؤسسة حتى أصبحوا فى عيون الناس فرقة «مونولوجست» لا جماعة سياسية تملك رؤية، وقدرة على وضع الأمور فى نصابها الصحيح بالخطط والحلول.
خسر النشطاء لأن الناس سمعت منهم سخرية من عدم امتلاك الدولة للرؤية والمنهج العلمى، ثم اكتشف المواطن العادى أن الكثير ممن يحملون لقب ناشط فيسبوكى أو سياسى لا يعرف للرؤية معنى ولا للمنهج العلمى فى التفكير والعمل العام طريقًا، فقط هو يسخر من كل شىء وكأن مهمته المكلف بها أن يسخر ويسخر لتكسير هيبة كل من له هيبة فى هذا الوطن.. ولكنهم فشلوا وسيفشلون مجددًا لأن المواطنين لا يسمعون ولا يثقون أبدًا فى من ينهى عن الفعل ويأتى بمثله.
دومًا ستجد من يحدثك عن الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم، ومن تكرار التأكيد على خطورة هذه الثعالب الصغيرة تظن وكأنها ترسم مصائر الناس وتتحكم فى مشاريعهم المستقبلية وخططهم للحياة، وهكذا ظنت أو توهمت مجموعات النشطاء أو المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعى غرقت فى بوستات المديح وهوس اللايك والشير حتى ظن بعضهم أنه قادر على تحريك الجموع والتأثير فى الناس، فإذا به غير قادر على تحريك أصابعه أصلًا.
فى الواقع وطبقًا لمعطيات الأحداث اليومية تحركات الثعالب الصغيرة التى تبدو فى بعض الأحيان مجرد لهو أو أخطاء ساذجة نجحت فى إفساد المشروعات والطموحات الكبرى، وهكذا فعلت المجموعات التى حملوها بمبالغة لقب ثورية فى نفسها، استبشر المواطن العادى فيهم الخير والقدرة على التفكير بشكل مختلف فلم يجدهم المواطن العادى سوى مجموعة من الزاحفين خلف الشتائم والإفيهات، دون أن يقدموا «أمارة» عملية أو علمية على قدرتهم على فعل أى شىء بخلاف نشر الشائعات وإهانة أعمدة هذا الوطن الرئيسية.
هل تعرف أصلًا ما الثعالب الصغيرة التى تفسد مزارع الكروم ومحاصيل العنب؟!! فى سفر النشيد يقول الرب: «غنوا للكرمة المشتهاة. أنا الرب حارسها، أسقها كل لحظة.. أحرسها نهارًا وليلًا»، «الثعالب الصغار تفسد ثمر الكرمة، أى أنها تفسد ثمر الروح فى النفس البشرية».
فى تفسير الإصحاح الثانى والثالث من سفر نشيد الإنشاد للبابا شنودة يقول إن الثعالب الصغيرة هى الخطايا التى تبدو بسيطة ولا يلتفت إليها الإنسان ولا يشعر بخطورتها.. مجرد أفكار ومشاعر قد لا تتخذ فى بادئ الأمر صورة الخطيئة، ولا هى تتعب الضمير، وخطورة هذه الخطايا الصغيرة، أن الإنسان يهملها، يتركها فتكبر وتتطور، دون أن يحسّ، وقد يحسّ متأخرًا، عندما تكون قد أفسدت الكروم.. باختصار شديد يمكنك أن تجمل الأمر فى الكلمات الآتية: «الخطوة الأولى المؤدية إلى الخطيئة، ربما لا تكون خطيئة، ولكن توابعها ربما تمثل جبلًا من الخطايا يهوى فوق رؤوس الجميع».
لماذا نتكلم أصلًا عن الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم؟، ولماذا تحول نشطاء الفيس بوك من شباب يعقد الناس عليهم الأمل قبل سنوات إلى مجموعة من الثعالب الشريدة التى لا تقدم للناس سوى المزيد من السخرية الوقحة، والمزيد من نشر الأخبار المغلوطة، والمزيد من الخطوات التى لا هدف من خلفها سوى الانتقام من السلطة السياسية حتى ولو تم الأمر على حساب الوطن ذاته.
الثعالب البشرية الصغيرة ضئيلة الحجم، ضعيفة المكانة ولكنها أكثر قدرة على الإفساد والتدمير.. إفساد خطط الأوطان السياسية، وتدمير كل الفرص المتاحة للتقدم والعمل فى هدوء، من أجل هوى نفسى أو بسبب طبيعة الأوهام التى لا تجتذب لكراسيها سوى كل ساذج أو ضعيف نظر لا يرى أبعد من موضع قدميه.