الإسكندر الأكبر لم تقتله الخيانة، ولم تقض عليه كثرة الحروب والمعارك، أو إصابته بالمرض والحمى، كما ادعى بعض المؤرخين.. رحلة موت الإسكندر الأكبر بدأت منذ دخوله إلى مصر. فقد قتله المصريون. هم أصحاب السم اللذيذ الذى دمر عقله لتكون لعنتهم سر نهاية أسطورته العسكرية. فلقد استغرق الإسكندر عامين فقط ليسحق جيوش الإمبراطورية الفارسية حتى إن الفرس لم يجدوا كتيبة واحدة لحماية مصر الفارسية فى عام 332 قبل الميلاد.. فدخلها الإسكندر، وكأنه فى نزهة أو رحلة صيد، بلا أى مقاومة تذكر.. دخلها بالصدفة بعد أن انتهى من فتح بلاد الشام ليصنع منها درة الحضارة الإغريقية ولتصنع من أسطورته مأساة.
حينما دخل الإسكندر أرض مصر لم يحاربه المصريون ولا قاوموه ولا حتى عصوه بل عبدوه. أقنعوه بأنه إله الشمس وابن الإلهة الخالدة آمون- رع. ووضعوا على رأسه تاج على شكل كبش بقرنين (لبسوه الحلة) وسجدوا تحت أقدامه وأطلقوا عليه «الإسكندر ذو القرنين». وصعق قواد جيوشه وجنوده اليونانيين والإغريقيين حينما شاهدوه يتمختر وهو يلبس قرنين كالعبيط ويدعى الألوهية. فماذا حدث لتلميذ أرسطو النابغة ليصبح كالمخبول فجأة.. حتى إن صديقه الحميم (كليتوس) كان يردد فى أذنه والمصريون ساجدون، حول عرشه (تذكر أنك إنسان.. تذكر أنك إنسان) ولم يسكت الصديق الحميم، إلا بعد أن طعنه الإسكندر وقتله فى غفوة خمر وفورة غضب.. فكيف لا يصدق أنه الآلهة، وأقدم شعوب الأرض تصنع له التماثيل وتسجد لها فى المعابد. كيف لا يؤمن رجاله بألوهيته وهم يرون المصريين يتلون الصلوات باسمه ويطلبون عفوه ورحمته.
القائد العظيم اهتز وفقد صوابه من الغرور، وبدأ يتعامل مع رجاله على أنه إله لا يطيق النقاش أو المعارضة ولا يتشاور مع بشر ورفض قواد جيوشه ألوهيته المزعومة لأنهم يريدون قائدهم (الإنسان) الذى يناقشهم ويستشيرهم ويفهمهم ويسمع لهم، وليس هذا الممسوخ الذى خدعه سحر المصريين.. وابتعد الإسكندر عن رجاله المخلصين واستبدلهم بالمنافقين وأدمن الخمر والبطش والعنف، وتعمد أن يهب الحياة ويسلبها من رجاله ليؤكد لهم ألوهيته المزعومة، ودخل عشرات الغزوات والمعارك الخاسرة بدون أن يستشيرهم، وبدون أن ينصت لتحذيرهم، حتى قتل أغلب جنوده أو ماتوا جوعا فى العراء فى غزو الهند، لذلك اتفق رجاله عليه ودسوا السم فى شرابه.. هم أحبوه ملكهم الشجاع وكرهوا فيه لعنة الآلهة التى دسها المصريون فى عقله ليقتلوه بنشوة السيادة وخدعة الهيمنة. تلك حقائق تاريخية لا جدال فيها، بدليل أن المصريين سجدوا بعد ذلك لخليفته، وأول المتهمين بقتله بطليموس الأول، واستمروا فى لعبة الآلهة مع بطليموس الثانى والثالث والرابع وحتى الخامس عشر.. كلهم لبسوا التاج أبو قرنين.. فهل كل هؤلاء أبناء آمون- رع ويظهرون فجأة وبدون حتى أوراق نسب أو تحليل DNA.
الغريب أن الأحفاد مازالوا يلعبون نفس اللعبة مع كل المناصب الكبرى وكل منصب على (قد دمه)، ولكن مع صعوبة السجود لغير الله استبدلوه (بالتسجيد) مع مزيج ساحر من الليونة والنفاق، واستبدلوا تاج ابن الآلهة أبو قرنين (بالعمة)، فنتغامز على من تم (تسجيده)، قائلين (لبسوه العمة) كناية عن أنهم ضحكوا عليه وحصلوا على مرادهم بالمديح والنفاق. حتى يصدق المسئول نفسه ويؤمن بأنه لا يخطئ، وأنه لا يحتاج لأن يتشاور أو يتناقش فيما يتخذه من قرارات ويغضب بشدة لو سمع البعض يراجعه أو يحاسبه على أفعاله. وبطبيعة الحال يصبح هؤلاء المنافقين هم الصفوة والأبرار، بينما يصبح المعارضون من الشياطين والكفار. فيا كل مسؤول فى مصر احذر من رجالك، فهم يجعلون منك إلها حتى يحصلوا على غنائمهم ومصالحهم، بينما تصير أنت مثل أصنام الجاهلية المصنوعة من العجوة يعبدها الناس جهرا طوال النهار ويأكلونها ليلا فى الخفاء.