أركان العدالة الشاملة " 2"

كنت قد تحدثت فى مقال سابق عن وسائل العدالة الاجتماعية فى الإسلام, وبدأت بالزكاة كركن من أركان الإسلام وأتت بقوة التشريع فى كل الأديان , واليوم أكمل الوسيلة الثانية وهى الصدقات والتى هى موكوله لضمير الفرد بلا حساب إلا أن الإسلام عنى بها كل العناية , واعتبرها المحقق للترابط الانساني, والتكافل الاجتماعى والمكمل لفكرة العدالة الاجتماعية والانسانية الشاملة . الدين الاسلامى يجعل من التراحم, حقاً انسانياً لأنه لا يتعلق بدين ولا ملة, ولا تعوقه عقيدة ولا شريعة . جاء فى القرآن الكريم:" لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ( الممتحنة8) . فالإسلام يشمل بالرحمة كل حى حتى الحيوانات, قال النبى :( دخلت امرأة النار فى هرة ربطتها , فلم تطعمها, ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالرحمة فى الإسلام أساس الإيمان وعلامته ، ودليل تأثر الضمير بهذا الدين وتغلغله فيه. حيث يشترط فى "الصدقة" و "البر" أن يكونا طوعاً واحتساباً ، وابتغاء لمرضاة الله وثوابه واجتناباً لغضبه ونقمته وعذابه ، فالصدقات قرض لله مضمون الوفاء " مَن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ولَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (الحديد 11) وهى تجارة لن تبور ، وهى مخلفة وليس فيها خسارة أبدا ؛ " ومَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ (البقرة 272) . والصدقة تطهير للنفس والمال ، كما أن الامتناع عنها فى سبيل الله هلاك ، والبر يؤدى بصاحبه إلى الجنة ، كما أن الكف عنه يفضى به إلى النار ، فقد حارب الإسلام أيضاً الاكتناز والامساك عن الإنفاق فى أوجه البر فجاء قوله تعالى ؛ " والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ ولا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (التوبة 34) . وأبواب البر والإنفاق فى سبيل الله تحددها الحاجة ، فالأقربون أولى بالمعروف أولاً ، ويتصل بهم الجار والصاحب ، كما يتصل بالجميع اليتامى والمساكين وابن السبيل ، كلهم سواء فى الاستحقاق. ويستحسن فى الصدقة والبر اخفاؤهما حفاظاً لكرامة المعوزين من جهة ، ومنعاً للاختيال والفخر من جهة أخرى: " إن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِى وإن تُخْفُوهَا وتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ويُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (البقرة 271) . وعلى هذا النهج يسير الدين الإسلامى فى طريقه إلى تحقيق "العدالة الاجتماعية والانسانية الشاملة" ، مخاطباً الوجدان للإقناع بالتكليف ، وللسمو فوقه ما استطاع ، يوفع بالحياة الانسانية ويجذبها دائماً بخيط الصعود إلى الأسمى ، ويدع المجال واسعاً بين الحد الأدنى المطلوب ، والحد الأعلى المرغوب ، يتبارى فيه الأفراد مجتمع الخير ، على مدى الأزمان والقرون للوصول إلى العدالة فى أرض الله . •أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;