بعد أن أكدت فى مقال سابق على أن الدين الإسلامى يساوى بين المرأة والرجل فى معظم أمور الدنيا والآخرة، إلا فى بعض الأمور المرتبطة بالاستعداد والدراية والتبعية، وأمور أخرى التى لا تغير معنى المساواة الكاملة ولا تغير فى الوضع الإنسانى للجنسين.
لذا أكمل اليوم بعض الأمور، مثل إيثار الرجل بضعف نصيب المرأة فى الميراث مثلاً، فمردوده إلى المستويات الجسمانية التى يضطلع بها الرجل فى الحياة، فهو يتزوج امرأة يتكلف إعالتها وإعالة أبنائها، وبناء الأسرة كلها، وهو مكلف به وعليه وحده تسع الديّات والتعويضات.
أما المرأة فى الإسلام فمكفولة الرزق، هى مكفولة الرزق أن تتزوج بما يعولها الرجل، مكفولة الرزق إن عنست أو ترملت بما ورثت من مال أو بكفالة قرابتها من الرجل، فالتفاوت فى التبعية اقتضى هنا تفاوتاً فى الإرث.
وأما الرجل قوّام على المرأة، وجه التفضيل فيه هو الاستعداد والدراية والمرونة وما خلا ذلك فالمرأة فى الإسلام من حق الدعاية والحرمة أكثر من الرجل، وهو الحق الذى يقابل حق القوامة.
جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال "يا رسول الله من أحق الناس بصحابتى؟ قال: أمك قال ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أبوك. ألا يكفى هذا!.
فإن للجنس البشرى كرامة، ولقد كرمتهم الأديان وعلى رأسهم الإسلام بجنسهم لا بأشخاصهم ولا بعناصرهم ولا بقبائلهم، فالكرامة للجميع على سبيل المساواة المغلقة،
فللناس جميعاً فى المجتمع كرامتهم التى لا يجوز أن تمس، ولا أن يسخر منها أحد.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ومَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الحجرات 11).
وأخيراً هكذا يتبع الإسلام كل ناحية من حياة الإنسان الوجدانية والاجتماعية، ليؤكد للناس جميعاً معنى المساواة التى يريدها إنسانية كاملة غير محدودة بعنصر، ولا قبيلة، ولا بيت، ولا مركز، كما يريدها أبعد مدى من الدائرة الاقتصادية الضيقة وحدها.
*أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة.