رحل الكاتب الإنجليزى نايبول، أمس، بعد سنوات كثيرة قضاها فى الكتابة وفى شحن موقفه ضد المسلمين، ومن يعرف هذا الكاتب المولود سنة 1932 والذى حصل على جائزة نوبل 2001 يعرف موقفه المعادى للإسلام، لكن هذا الموقف يحتاج إلى تأمل.
ينتمى نايبول إلى عائلة من شمال الهند، هاجرت إلى ترينيداد التى كانت آنذاك مستعمرة بريطانيّة، وفى الثامنة عشرة من عمره، انتسب نايبول إلى جامعة أكسفورد، وقال عن بداية حياته «خلال خمسة أعوام كتبت ثلاثة كتب ربحت من مبيعاتها 300 جنيه إسترلينى، لم يكن الأمريكان يرغبون فى نثرى، ذلك أنهم كانوا يرون أننى بريطانى أكثر من اللازم، وفى بريطانيا، كان القرّاء يقاطعوننى لأنهم يجدون أننى أجنبى أكثر من اللازم».
عرف نايبول الشهرة انطلاقا من ستينيات القرن الماضى، وتحديدا إثر صدور روايته «بيت للسيد بيسواس»، واستوحى موضوع هذه الرواية من حياة والده الذى كان يتطلع إلى أن يكون كاتبا، إلا أنه فشل.
لكن ما يهمنا هنا هو موقف نايبول من الإسلام، وأعتقد أننا لو عرفنا علاقته بظروف العالم الإسلامى سوف نفهم بعض الشىء من هذه السيرة المتشابكة، فبعد انتصار الثورة الإيرانية، تجوّل نايبول فى البلدان الإسلامية غير العربية مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان وإيران التى كانت لاتزال تعيش أحداث الثورة التى أطاحت بنظام الشاه، وفى نهاية رحلته كتب سلسلة من التحقيقات الأدبية المثيرة عن الأصولية الإسلامية فى هذه البلدان، أدان فيها التزمت والانغلاق، ومقدما المسلمين ككائنات متشبثة بمعتقداتها، ورافضة رفضا مطلقا لكلّ المعتقدات الأخرى، ومشيرا إلى أن بلدانا آسيوية مثل إندونيسيا فقدت ثقافتها الأصلية تحت تأثير الإسلام.
فى ظنى أن هذا الكاتب عاش يخشى شيئا ما هو لا يعرفه تماما، لكنه مستقر فى أعماقه، هناك خوف فى داخله، هذا الخوف قادم معه من بيئته الأولى الهند، حيث الصراعات الدينية خاصة فى الفترة التى كان فيها طفلا «الهندوس والمسلمون» يتقاتلان طوال الوقت، أنا لا أريد أن أدافع عنه، لكننى أحب أن أتفهم موقفه، فهو يعيش فى بريطانيا، لكن هاجسا ما يشعره بالقلق، وربما يجبره على بعض العدائية تجاه الإسلام، هو يخشى من ملامحه الهندية التى قد تدينه وتربطه بالشرق، والشرق عند كثير من الغربيين هو الإسلام.
يرى نايبول أن الإسلام يضفى سمته على الحضارات التى يدخل عليها فيغيرها، ويسلب من الناس ثقافاتهم القديمة، ويفرض عليهم ثقافات عربية صحراوية، بالطبع هو ينتبه إلى نقطة ضيقة فى الموضوع ويبصر من زاوية «الخوف» التى تمكنت منه تماما، وكنت أتمنى أن ينظر من كونه كاتبا حاصلا على أكبر جائزة أدبية فى العالم «نوبل» لكن الخوف أضره كثيرا.