المواطنة تعبير سياسي بدأ فى التداول وكثر فى التردد، فهو أصبح مثل اللزمة الموسيقية التى يتم عزفها طوال الوقت. فمن يتاجرون بحقوق الإنسان يتبادلونه، ومن يتشدقون بالديموقراطية يرددونه، ومن يطالبون بمزيد من ممارسة حرية الرأى والعقيدة يتمسكون به، ومن ينادون بالعدالة الاجتماعية يؤكدون عليه.
المواطنة قد أصبحت هى الشعار الأهم لكل الأنظمة والحكومات، فهى الوردة التى تزين الدساتير التى تعلن الديموقراطية والتى تمنح الحقوق . المواطنة هى الطريق العملى للدولة المدنية. فهل المواطنة بالفعل هى ضرورة لابد منها أم قد أصبحت نوعاً من الترفيه وشعاراً نظرياً فارغا من أى مضمون ولا وجود له على أرض الواقع؟
لا شك أن المواطنة وإن كانت تعبيراً سياسياً حديث ولكنها هى اختصار لكل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطن التى ناضل من أجلها ودفع الكثير فى سبيل نوالها على مدار التاريخ الإنسانى، فحرية التعبير عن الرأى وحرية ممارسة العقيدة وحق الممارسة السياسية والمشاركة فى اتخاذ القرار والحق فى العمل والتعليم والعلاج والسكن والحق فى السفر والانتقال، وحماية الحريات الشخصية، كل هذا وغيره الكثير هو التعبير العملى والتطبيق الفعلى لقيم المواطنة. فهل يمكن أن يكون هناك نظام مستقر يسعى للتوافق المجتمعى، ويعمل على تحقيق التوحد الوطنى نحو الأهداف الوطنية حتى يمكنه أن يواجه كل التحديات التى تواجهه وعلى كل المستويات فى الوقت الذى لا يجد فيه الموطن تحقيق هذه الأهداف والحصول على تلك الحقوق؟ وهل يمكن أن نتحدث عن الانتماء للوطن والدفاع عنه والذود عن أراضيه، وهناك من يحرمون المواطن من حقوق المواطنة هذه ؟ الرئيس والنظام يتحدث عن المواطنة. الدستور أكد بكل وضوح على الحقوق والحريات فى الباب الثالث وعلى مدى ثلاثة وأربعين مادة بكل وضوح وبلا مواربة. القانون على المستوى الورقى والنظرى يؤكد الموطنة والمساواة، فما هى المشكلة إذاً؟
المشكلة بكل وضوح هى غياب الإرادة السياسية وغياب الوعى فى ضوء حالة تسطيح الوعى السياسي وشغل و إشغال الإعلام للجماهير بعيداً عن القضايا الهامة والمصيرية وسيطرة المصلحة الآنية والذاتية على حساب المصلحة العامة والوطنية. عدم تفعيل مواد الدستور بإصدار التشريعات المحققة للمواطنة، والمهم والأهم هو تطبيق القانون بكل حسم وحزم وبلا مواربة على الجميع دون أى استثناء، فالمساواة فى الحقوق والواجبات وتطبيق القانون وسيادة العدل ونشر العدالة يقرب الفوارق بين الطبقات ويقضى على الطائفية التى دائما ما تُستغل وعلى مدار التاريخ لشق الوطن ومحاولة تفتيته، خاصة فى ظل الظروف السياسية العالمية التى تسعى، بل تنفذ خطة تفتيت المنطقة على أسس طائفية، تكراراً لسايكس – بيكو وبأيد عربية لا بيد بريطانيا وفرنسا. فهل ما تم فى قرية الجلاء مركز سمالوط محافظة المنيا من السلفيين الذين رفضوا بناء كنيسة صدر لها قرار، بل اشترطوا شروطهم الخاصة، وهى أن تكون دورا واحدا، بلا جرس ولا منارة ولا صليب ويفتح الباب الرئيسى من الشارع الجانبى، بل يتم وضع الأساس تحت إشراف هؤلاء حتى يتأكدوا من بناء دور واحد.
هل هذه الممارسات التى تقع تحت بصر الأجهزة، بل الموافقة عليها بل وتباركها بدليل عدم التصدى لهؤلاء وتطبيق القانون عليهم، تفعل المواطنة؟ فهؤلاء يسقطون الدستور ويمتهنون القانون ويزدرون المواطنة، بل يهددون سلامة الوطن، فأين قانون الازدراء (الذى نرفضه) مع هؤلاء ومع محرضيهم؟ فهل نريد دولة قانون ومواطنة بالفعل حتى يكون هناك انتماء لمصر الحبيبة، وطن كل المصريين؟