هناك الكثير من القضايا والمسائل التاريخية والسياسية الكبيرة التى قد يحتاج المرء الدارس والمثقف إلى سنين لدراستها وفهمها، فما بالنا بمن لم يدرس أصلأ؟ وما بالنا بكل الفئات الواقعة بين الدارس المثقف والشخص البسيط الذى لم يتح له فرصة التعليم والدرس وتعلم أصول البحث والنقد؟ بل إن المتخصصين فى كل مجال يحتاجون إلى وقت طويل من القراءة والاطلاع ومعاودة الاطلاع مرات ومرات من أجل سبر أغوار بعض القضايا التاريخية والسياسية.
وعندما تكون مصر هى الوطن يكون هناك الكثير من العمل ومن المسؤولية على المواطن، إذ لا يعقل أن ينتمى المواطن إلى بلد كبير ووطن عظيم ويروح ويجئ خالى البال لا يقض مضجعه منغص. فحتى البسيط يجد نفسه فى مواجهات – أحيانا – مع من يهاجم الوطن أو يشمت فى واقعة أو يتبجح - لعلة فى نفسه أو نقص فى طبيعته - ويكون على المواطن أن يرد عن نفسه وعن وطنه ما أستطاع . ومواطن قوى وملم بقضايا وطنه ومستوعب لخطابها السياسى، لهو بكل ثقة أفضل ممن لا يدرك عن نفسه وعن وطنه إلا القليل مما قد يصادفه مكتوبا أو مرئيا أو مسموعا هنا أو هناك، وكانت السنوات القليلة الماضية - على وجه الخصوص – مثالا واضحا لذلك، وما زالت مصر تهاجم وما زال المتربصون بها كثيرين ومن كل جهة وصوب وكلنا يعلم ذلك.
إن إعداد المواطن المصرى إعدادا سياسيا طيبا مطلب مهم الآن وغداً فى معركتنا مع الأعداء المختلفين المتتبعين لكل وسائل الحرب والتدمير، ولا يمكن لبضع فقرات هنا وهناك وبعض كلمات هنا وهناك أن تسهم كثيراً فى الإعداد السياسى للمواطن وشرح الخطاب السياسى للدولة له أبدا، فكل تلك الفقرات تظل نذرا فقيرا لا يغنى ولا يسمن، وإنما المطلوب شريان متدفق ليلا ونهارا وللأبد، بكل ما هو جيد وحقيقى وإنجاز ومطلب ومقصد وصديق وعدو وقريب وبعيد ومحتمل وغير وارد، ولا يمكن للوطن أن يترك المواطن يتلقى تلك التوجهات من مواطنين آخرين ومن مغرضين ومن مصادر مشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعى. وبالتالى، فقد تكون هناك حاجة ملحة إلى قناة وطنية جديدة وخالصة من أجل التثقيف والتلقين السياسى والتاريخى السليم على مدار الساعة، بحيث تخاطب كل فئات الشعب المصرى وتعرض عليه وثائقنا التاريخية والسياسية المهمة، وتعرض عليه وتقرأ عليه الخطب السياسية لرؤسائنا وملوكنا الأسبقين وأقوالهم وإنجازاتهم وطباعهم وفكرهم وأمانيهم لبلدهم ولأنفسهم، وكيف نجحوا وكيف صمدوا وتضحياتهم، وتعرض عليه مسيرتنا السياسية والتاريخية كلها من البداية وحتى اليوم، وتفند كل الحقائق والمزاعم وتبين الحقيقة، وتتطور مع تطلعات المواطن وتستجيب لاستفساراته، وتضيف إلى ملفاتها كل جديد تتوصل إليه وكل إسهام مناسب يصلها من مواطن. وبذلك تصبح تلك القناة شريانا للحياة وللحقيقة ولربط قلب المواطن وفكره بقلب الوطن وفكره من خلال رحلة طويلة مستمرة ومتروية ولا عجالة فيها. فالكثيرون لا يعرفون شيئاً تقريباً عن زعمائنا العظام، ولا حتى أسمائهم الكريمة . ولا تكفى بضع دقائق على هذه القناة أو فى تلك النشرة الإخبارية لسرد حياة زعيم وطنى كبير.
نحتاج إلى قناة يقبل الناس عليها كرافد وطنى معرفى دائم المخاطبة لقلوب الناس ووجدانها المصرى وعقولها الواعية – دون مزايدة ودون تملق لأحد أو انحياز إلى أحد أو إلى جانب ما أو إلى حزب ما – وتخاطب الشعب كشريان اتصال فى تؤدة وفى يسر وبأسلوب متخصص ووطنى ولا يمل التكرار الهادف المدروس، ولا يتأزم من النقد ولا يتعب من البحث والفحص والتحليل والعرض لكافة المواد المطلوبة لاطلاع أبناء الشعب على مسيرة مصر التاريخية والسياسية وتلقينهم كل المعارف اللازمة لفهم قدر من عمق المسؤولية المصرية كدولة مهمة، وفهم المخاطر التى تحيط بمصر، وفهم دور القيادة السياسية بشكل أفضل ودور الشعب، ويؤدى إلى التعاون مع القيادة التى اختارها الشعب لحكمه والسير به إلى غد أفضل وأعظم. فالقيمة فى المواطن والاستثمار فى المواطن وليس فى الحجر ولا فى المعدة. وكلما كان الفرد أكثر تعليما وإلماما بقضايا بلده وبمسيرتها، وأكثر دراية بأساسيات رؤية القيادة السياسية الحاكمة، كان المواطن أكثر نفعا وأكثر عونا وأقل استماعا الى المضللين والى مروجى الشائعات والمخربين والمعلقين بين الطموح الشخصى الغالب عليهم وبين قدراتهم المحدودة.
قد يكون من المهم أن ننظر الى مثل هذه القناة الآن، وقبل أن تفقد مستندات كثيرة وأفلام وثائقية هامة كثيرة، مثلما فقدت مواد إعلامية قيمة كثيرة وأفلام سينمائية كثيرة الى خارج البلاد، وصارت فى أيدى أجنبية.
حفظ الله مصر دولة مدنية تتساوى فيها الحقوق والواجبات، وحفظ رئيسها ووفقه إلى الخير.