فى مايو 2015 استقال المستشار محفوظ صابر، بناء على طلب القيادة السياسية بعد تصريحه أو إعلانه عن حقيقة قائمة وهى أن ابن الزبال لا يصلح لأن يكون قاضيًا.. وتولى المنصب بعده المستشار أحمد الزند "أسد القضاة" الذى أعفى من منصبه بعد أقل من عام على خلفية تصريحه بأنه على استعداد لحبس أى مخطئ حتى لو كان النبى.
وشهدت تصريحات المستشار محفوظ صابر اتفاقًا ملحوظًا بين الرأى العام الذى رفض هذه التصريحات العنصرية، وبين القيادات الإعلامية والقيادات السياسية الذين رأوا فى هذه التصريحات استفزازًا لمشاعر الشعب حتى لو كانت تعبيرًا عن حقيقة واقعة بالفعل يجب السكوت عنها لا إعلانها.
أما تصريحات أسد القضاة "الزند" فقد شهدت اختلافًا بين رافضين لها لاعتبارات عديدة أهمها النيل من الأنبياء المعصومين من الخطأ وتقديم مرتبة القضاة على مرتبة الأنبياء، وعدم لياقة التصريح وعدم مناسبته لطبيعة منصب وزير العدل، وفى الطرف الآخر وقف فريق من الإعلاميين ورجال السياسة رافعين يافطة التهوين من التصريح باعتباره زلة لسان غير مقصودة والتوقف عندها تصيد للرجل الذين يرونه صاحب إنجازات غير مسبوقة فى توفير الحماية للدولة ورجالها وأصدقائها من الأعداء المتربصين لهم.
الرافضون لمحاسبة "الزند" على تصريحه هم أنفسهم المجاهدون من أجل محاسبة "صابر" على تصريحه منذ أقل من عام ومنطقهم يستند إلى أن جزءًا من الغاضبين من تصريح "الزند" يرجع لكونه إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما يجعلهم يخشون من عودة فكرة الحسبة ومحاكم التفتيش على الأفكار وزلات اللسان وما يستتبع ذلك من أفكار داعشية وأحداث إرهابية قد تنال من المجتمع على غرار ما حدث مع صحيفة "شارل إبدو" التى نشرت رسومات مسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحكومة انتصرت للفريق الأول وطلبت من المستشار "الزند" الاستقالة، فلما رفض أعفته من منصبه، فى حين وقف فريق المعارضين والمدافعين ينتقدون موقف الحكومة باعتباره استجابة لضغوط جماعة الإخوان وتمهيد الأجواء لمحاكم التفتيش والترهيب بالدين واصطياد الأخطاء والتكفير، كما رأى هذا الفريق أن التوقف عند هذه الأخطاء انشغالاً بتفاهات بما لا يتناسب مع الأزمات التى يعيشها الوطن.
والواضح أن موقف الحكومة استند إلى شواهد عديدة..
الشاهد الأول أن هناك حادثًا مشابهًا لنفس الحادث مع وزير العدل السابق منذ عدة شهور واتخذت فيه الحكومة نفس القرار فكان من الصعب الكيل بمكيالين، أما عن دعاوى المعارضين بأن مناقشة هذا الأمر لا يتناسب مع أزمات الوطن فلم يكن هذا موقفهم منذ شهور من الوزير السابق الذى كانت تصريحاته المسيئة أقل إساءة من تصريحات "الزند" باعتبارها إقرارًا لواقع حادث بالفعل، خاصة أن هموم الوطن لم تزد كثيرًا عن همومه فترة أزمة المستشار محفوظ صابر كما أن الانشغال بهموم الوطن لا يتعارض مع الحفاظ على القيم.
الشاهد الثانى أن الأمر يتعلق بالأنبياء أى أنه يتعلق بالمعتقدات ورغم الصورة المسيئة التى فرضتها الجماعات الإرهابية تحت مزاعم الدفاع عن الدين إلا أن هذا لم يلغ مشروعية دفاع كل شخص عن عقيدته ودينه ورده الإساءة عن الأنبياء والرسل وغضبه من النيل منهم حتى لو كان زلة لسان خاصة لو جاءت من مسئول يجب أن تلتزم كلماته وتصريحاته بالحصافة والتعقل.. وحساسية الأمور المتعلقة بالدين والرب والتعاليم السماوية هى حساسية مشروعة لأنها جزء من المكون الفطرى للإنسان ووجوده وكيانه والذى عبر عنه الفيلسوف الوجودى جان بول سارتر فى اعترافه الأخير لرفيقة دربه سيمون دوبفوار والذى قال فيه: "أنا لا أشعر بأنى مجرد ذرة غبار ظهرت فى هذا الكون وإنما ككائن حساس تم التحضير لظهوره وأحسن تكوينه أى بإيجاز ككائن لم يستطع المجيء إلا من خالق".
الشاهد الثالث أن المستشار الزند كان يشغل منصب وزير العدل وهو المنصب الذى يضفى على صاحبه نوعًا من الحكمة المتعلقة بكونه حارسًا على العدالة وأمين على ميزانها، ويلزمه بالتروى فى الأداء والخطاب، إلا أن خطاب "الزند" كان خطابًا استفزازيًا عدائيًا لا يتناسب مع طبيعة المنصب حتى لو كان معبرًا عن موقف صحيح، كان خطابه أقرب للخطاب الانتقامى الباطش ومنها تصريحات برغبته وضع تشريع لمحاكمة والدى الإرهابى لعدم تربيتهما له التربية السليمة!.
الشاهد الرابع أن الدولة أصبحت فى الفترة الأخيرة تحمل عبئًا ثقيلاً سببه البعض من مؤيديها الذين تجاوزوا كل حدود اللياقة والأدب خاصة فى التصريحات الصحفية ومن خلال برامج الفضائيات فانتشر خطاب الألفاظ المتجاوزة والسب والقذف وسب الدين على الهواء وإصدار الفاظ وأصوات مسيئة والفُجر الواضح فى الخصومة وهى حالة لم يعتدها الشعب المصرى الذى يحرص دائمًا على عدم الجهر بالمعصية أو بقلة الأدب أو الصراع بالفُجر البين، فكان لزامًا على الحكومة أن تبدأ بوضع حد لأصحاب الخطاب المثير المستفز المتجاوز لكل المشاعر والحدود وهى دائرة اقترب منها المستشار "الزند" فى خطابه كوزير للعدل.
الخلاصة فى ثلاث.. الدفاع عن الدين والعقيدة والرسل ليس جريمة ولا تطرف.. وحماية النظام ومصالحة ليست بالتجاوز والجبروت والتسلط.. والعدل فريضة لا وظيفة.