كانت جملة «القط والفار فى التليفزيون» التى يقولها صبى يجرى فى الشارع كافية كى ينفضّ جمع الأطفال الذين يلعبون الكرة أو الاستغماية ويدخلون أول منزل يقابلهم ويقفون مندهشين أمام أفلام الكرتون الثلاثة التى تأتى متتالية، كأنهم يشاهدونها للمرة الأولى وليست الخمسين، ثم يعودون مرة أخرى لاستكمال لعبتهم القديمة، لكن أرواحهم تكون أكثر بهجة وحماسا عما كانوه قبل الدقائق القليلة التى استغرقتها الأفلام الكرتونية القصيرة.
هؤلاء الأطفال الذين يلعبون فى الشارع الواسع لا يعرفون أن البداية كانت فى سنة 1940 عندما كان أطفال العالم على موعد مع إبداع جديد لم يتخيلوه، فبينما هم يتثاءبون أمام شاشة السينما فى انتظار قصص المغامرات التى يصفق لها الكبار فقط وفى انتظار اللحظات الرومانسية الحالمة التى تذهب الفتيات لمشاهدتها على الشاشة الفضية، انطلق السحر عندما أطل عليهم فأر بنى اللون وقط رمادى تقريبا، هما توم وجيرى وبدأت المطاردة.
الصحيح أن نقول مطاردات وليست مطاردة، شكلت عددا من المغامرات التى قدمها العبقريان وليم هانا وجوزيف باربيرا، واستحوذت على أرواح كل أطفال العالم بعد ذلك، وسنوات وراء سنوات وهذا الثنائى الكرتونى لا يموت أبدا، بل يواصل التجدد الذاتى.
وأظن أننا لو قمنا باستفتاء لأطفال العالم الآن عن الشخصية الكرتونية التى يحبونها، حتما سوف يأتى توم وجيرى فى المقدمة، ومحتفظين بمسافة بعيدة عن أقرب شخصية كرتونية أخرى، صحيح أننى كنت أرى هذا أمرا عاديا منذ عشر سنوات مضت، لكن مع هذا الانفجار التكنولوجى، وهذا الانتشار غير المحدود للقنوات الفضائية المتخصصة فى عالم الأطفال، والتى تستمر لمدة 24 ساعة فى عرض مادة فيلمية كرتونية، وتبتكر شخصيات وعوالم وتفتح أبواب الخيال على مصراعيها، صرت أستغرب الأمر بعض الشىء.
لماذا هناك أمر ما غير مكتمل فى الأفلام الكرتونية الأخرى؟ بالطبع نعرف جميعا شخصية بكار التى ابتكرتها الدكتورة منى سيف النصر، لكنها على كل جمالها، كانت شخصية «مصرية» بامتياز، يحبها المصريون ويفهمونها ويتعاطفون معها، لكن لا أستطيع أن أطالب أى طفل من ثقافة أخرى أن يرى فيها ما أراه أنا، كما أن شخصيات مثل «كابتن ماجد» وغيرها مثلت «ظاهرة» فى وقت معين، وكانت مسيطرة بشكل كبير، لكنها مع توالى السنوات، صارت جزءا من ذكريات الطفولة ودلائل الحنين، لكن شخصيتى توم وجيرى، احتفظتا بنوع من التجدد يمكن ملاحظته فى عيون الأطفال الصغار جدا الذين يبدأون «الفرجة» على الكرتون، حيث يصير هذا الثنائى الكرتونى مطلبهم الوحيد والدائم.
وبعيدا عن التأويلات والتفسيرات التى يحب البعض استنتاجها من هذه المادة الفيلمية، فإننى أعتقد أن توم وجيرى، عندما بدأ التفكير فيهما وتنفيذهما منذ نحو 80 عاما كانت البساطة واللعب على «شقاوة» الفكرة وحس السخرية والتفكير بعقلية الطفل هى السبب فى احتفاظهما بحياتهما المديدة حتى الآن ومقاومتهما للشيخوخة والموت ذاته.