سنوات طويلة تركنا فيها ملعب الإعلام والسينما والدراما لإسرائيل، تروج لروايتها المزيفة حول أشرف مروان وكيف كان عميلا مهمًا للدولة العبرية فى أهم فترات تاريخها إبان الحروب المتكررة معنا، بل ذهب الإسرائيليون وتحديدا معسكر الموساد وأذرعه الصحفية والإعلامية إلى اعتبار مروان أو الملاك أو العميل بابل أو الصهر، بحسب التسميات التى أطلقتها عليه، أهم جاسوس فى تاريخ إسرائيل.
الأسباب التى تدعو الأذرع الإعلامية التابعة للموساد إلى تصوير مروان على أنه جاسوس إسرائيلى أو أهم جاسوس لإسرائيل فى مصر كثيرة ومتشابكة ومعقدة، بعضها يتعلق بالداخل الإسرائيلى نفسه والخلاف الشديد بين الموساد والمخابرات الحربية الإسرائيلية حول التقصير فى الاستعداد ومواجهتنا فى حرب أكتوبر، فالموساد يتهم المخابرات الحربية بأنها لم تلتفت أو تأخذ على محمل الجد الرسائل التى أرسلها أشرف مروان، ومنها الموعد الخاص بشن الحرب فى السادسة من مساء 6 أكتوبر، بينما المخابرات الحربية تشكك فى ولاء مروان لإسرائيل واعتبرته فى أحسن الأحوال عميلا مزدوجا للجانبين أو عميلا للمصريين مزروعا لتكريس مفاهيم محددة حول الحرب وحول قدرة المصريين على مواجهة الإسرائيليين، فى أذهان قادة الموساد أنفسهم.
فى النهاية تغلب معسكر الموساد على معسكر المخابرات الحربية، وبعد أكثر من أربعين عاما على صدمة أكتوبر 1973، اتجهت تل أبيب إلى تزوير التاريخ وتكريس صورة مزورة عن أشرف مروان عبر دعم صدور كتاب الملاك لمؤلفه بار جونز، وإنتاج فيلم سينمائى عالى التكاليف انطلاقا من الكتاب وتسويقه على مستوى العالم من خلال شبكة نيتفلكس.
الحمد لله أننا تنبهنا أخيرا إلى خطورة ما تشنه إسرائيل من حرب ثقافية ومعلوماتية على تشكيل عقول أبنائنا وبناتنا من الأجيال المقبلة الذين يستمدون معرفتهم من الميديا عموما، فقد وافقت الرقابة على فيلم العميل الذى يتناول الجانب الحقيقى من تاريخ أشرف مروان باعتباره بطلا وطنيا قدم للبلاد خدمات جليلة قبل وبعد حرب أكتوبر 1973، صحيح أن موافقة الرقابة جاءت بعد عامين من تقدم السيناريست هانى سامى بالعمل إلى المصنفات الفنية، وصحيح أن الفيلم لن يرى النور قبل أشهر، بعدما تعرض شبكة نيتفلكس الأمريكية واسعة الانتشار الفيلم الإسرائيلى «الملاك»، لكن على الأقل سيكون لدينا روايتنا المصرية فى مواجهة الرواية الإسرائيلية، وسيبحث شبابنا عن الفيلم المصرى الوثيقة، كلما علا الجدل الغربى حول الرواية الإسرائيلية.
الواجب علينا الآن أن نوفر كل الدعم لمشروع الفيلم المصرى «العميل»، كأن تدخل جهات فى الدولة لتغطية ميزانيته وتوفير كل الإمكانيات من حيث الإنتاج أو الأبطال الأكثر شعبية أو التسويق الخارجى، لابد أن نمهد للفيلم بدعاية كبيرة داخليا وخارجيا، كما لابد من عرضه فى أكبر عدد من دور السينما بالعالم، ليس فقط السينمات العربية، بل السينمات الأوروبية والأمريكية، وبعد انتهاء عروضه السينمائية نعرضه مرارا وتكرارا على التليفزيونات، ونتيحه مجانا على الإنترنت، حتى يعرف المصريون والعرب ومن بعدهم العالم أن هناك رواية مصرية أصلا عن دور أشرف مروان فى عملية الخداع الاستراتيجى التى قادها السادات حتى يستطيع مباغتة إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973.