ماذا تبقى لكى يأذن الله، وتنتهى الحياة على هذه الأرض التى تحولت بفعل البشر إلى غابة، ولكن يعيش فيها من هم أسوأ من الحيوانات؟
الوحوش الضارية التى خلقها الله وتسفك دماء الضحية، وتفترسها، تتحول إلى حمل وديع مع أطفالها، اللبؤة المعروفة بقسوتها مع الفريسة تتحول إلى أم رقيقة المشاعر تقطر أمومة، وحنية، ورقة مع صغارها، وهناك من هم يمتلكون أشكال البشر، يأكلون ويتحدثون ويتناسلون وينجبون، ولكنهم بلا قلوب، ولا عقول ولا إحساس، يقتلون صغارهم، ويلقونهم فى النيل، أو يتركونهم محبوسين مثل القطط أو الكلاب يموتون حرقا، وجوعا وقهرا، والأم تتنقل بين أيادى الرجال ليلا، وهناك من أمثال هؤلاء المحسوبين على البشر من يعتدى على محارمه، على ابنته، التى خلقت من بين ضلوعه، وهو الأمين عليها، وعلى شرفها، فإذا به ينتهك ما ائتمنه الله عليه، بلا رحمة وبلا شفقة، وبلا دمعة ندم واحدة، وبلا إحساس، الحيوانات تبكى، وتتراجع، والمحسوبون على البشر قلوبهم من صخر، وإن من الصخر ما يتكسر من خشية الله، وهؤلاء لا يخشعون ولا يتأثرون.. يقول الله عز وجل: «وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ».
أصبحت أخاف أن أقرأ الجرائد، أو أتصفح المواقع والبوابات، أهرب من تصفح صفحات الحوادث، رغم أن هذا عملى وأكل عيشى، وذلك بسبب جرائم الأسرة التى تفشت وانتشرت، حتى أصبح الزملاء يفردون لها الصفحات الأولى، زمان كانت هناك جرائم تهز الرأى العام، جريمة أو اثنتان فى السنة، تعيش عليهما وسائل الإعلام، بالتحليل والرصد ودق نواقيس الخطر، الآن الأمر أصبح عاديا.
لم تكن جريمة الأب الذى ألقى طفليه محمد وريان فى نيل فراسكور «كنت مبرشم والعيال تعبونى»، وأم، أو هكذا تقول أوراق بطاقتها، اختلفت مع زوجها، ومنعها من الذهاب إلى أهلها فى العيد فقررت أن تعاقبه، وأخذت طفليها، وذهبت إلى بحر يوسف وألقت بهما، ليغرق واحد وينجو الآخر، ليته ما نجا سيعيش بعار أمه، وهذا الذى وضع السم لأولاده مات اثنان ونجا اثنان وليتهما مانجيا.. استراح من استراح وذهبا إلى خالقهما يشكوان من كان لهما أب.
ماذا حدث لنا؟
قلة فلوس وأحوال اقتصادية صعبة؟
قد يكون، فهناك ارتفاع كبير فى نسب الانتحار.. من ترمى نفسها تحت عجلات المترو، ومن يلقى نفسه من فوق كوبرى لعدم وجود وظيفة، وعمل ومصدر دخل، ومن يشنق نفسه بسبب بعبع الثانوية العامة.. قد يكون ولكن متى كان المصرى ينتحر بسبب الفقر؟
أجدادنا عاشوا حياة الكفاف، وكانوا قانعين راضين بما قسمه الله لهم، وكانوا يعبدون الله على الفطرة.
ماذا جرى لتمتلئ شوارعنا بشباب «مبرشم» يتعاطى المخدرات والحبوب جهارا نهارا؟
ماذا جرى لتصبح جرائم الأسرة المفزعة أمرا عاديا؟
هل أصبحت البلطجة من مفردات حياتنا؟
هل تعايشنا مع التحرش اللفظى والجسدى، ووصل إلى غرف نومنا واجتاح كل معانى الأدب والأخلاق؟
قنابل موقوتة تسير بين ظهرانينا يتعاطون عقار «الإستروكس» المدمر والمغيب لخلايا المخ، ويتعاطون «الترامادول» كأنه إسبرين.
يجب أن ننتبه، الأسرة التى هى عماد المجتمع تفككت، ولم يعد هناك أب يقود الأسرة ويعلم ويربى أو أم تقوم بمسئولية التنشئة، وارتفعت نسب الطلاق، وامتلأت المحاكم بملايين النزاعات الأسرية التى يدفع ثمنها أطفال لا ناقة لهم ولا جمل، هؤلاء يخرجون مشوهين، يصبون غضبهم على مجتمع ظلمهم.
فقدنا أهم ما يميزنا، الأسرة المصرية التى كانت نواة قوية لمجتمع إنسانى يتراحم، لا يعرف العنف إلا استثناء، وأصبحنا نمارس الرحمة والمودة «أون لاين»، ونعيش العنف والقسوة «لايف» على مدى الساعة.
يجب أن تتصدى المراكز البحثية، ووزارة التضامن، والجامعات، وعلماء النفس والاجتماع لبحث أسباب ما نحن فيه، ووضع خطة للخروج من دائرة العنف الأسرى التى ضربت المجتمع المصرى.. الواقع سيئ، ولكن لا تجعلوا المستقبل أسوأ.