هل عادت روسيا كقوة عظمى، عسكريا واقتصاديا، لتلعب نفس الدور الذى لعبه الاتحاد السوفيتى، لإعادة توازن القوى، وتصير ندا قويا للولايات المتحدة الأمريكية؟! وهل أصبحت روسيا تنازع سلطان أمريكا فى منطقة الشرق الأوسط؟!
المؤشرات تجيب بأنه فعليا، روسيا صارت قوة عسكرية، لا يمكن أن تتجاهلها العيون، ولا يستطيع العقل أن ينتقص من وزنها وتأثيراتها، ودورها المحورى فى إعادة رسم خريطة القوة فى العالم، بشكل عام، وفى منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
الدليل، أنه وقبل ثلاث سنوات، عندما بدأ سلاح الجو الروسى عملياته فى سوريا، كان %85 من الأراضى السورية تقبع تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة، والآن، تم تحرير كل الأراضى ولم يتبقَ سوى أقل من %10 عبارة عن جيوب متناثرة، ويتم تصفيتها بهدوء، الأمر الذى فشل فيه التحالف الذى شكلته الولايات المتحدة الأمريكية، للقضاء على داعش وأعوانها فى سوريا والعراق، وضم أكثر من 40 دولة، فى حين نجحت روسيا، فتحررت سوريا، والموصل.
وفى ظل ما تموج به منطقة الشرق الأوسط من أحداث خطيرة، بجانب معارك التلاسن واستعراض القوة بين أمريكا وروسيا، فإن موسكو دشنت عددا كبيرا من المناورات العسكرية المهمة وتحديدا منذ تدخلها فى سوريا، أى قبل ثلاث سنوات، الأمر الذى فسره خبراء عسكريون، بأنه رسالة موجهة من موسكو إلى أمريكا والغرب، مفادها أن الكرملين يراقب التحركات الأمريكية والعربية عن كثب، وأن روسيا استعادت هيبتها كقوة عسكرية عظمى مستفيدة من الخبرات المتراكمة، والويل لم ينوِ الاقتراب منها..!!
لم تكتفِ روسيا بالمناورات العسكرية السابقة، ولكن قررت إجراء أكبر مناورة عسكرية منذ ثمانينيات القرن الماضى على الأقل، إن لم يكن المناورة الأكبر فى تاريخها، وذلك فى الفترة من 11 إلى 15 سبتمبر الجارى، أى بعد 10 أيام من الآن.
المناورة الأضخم، وحسب ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، فى تصريحات وردت على لسان الوزير نفسه «سيرجى شويجو» ونشرتها وكالات الأنباء الدولية، يشارك فيها 300 ألف جندى وألف طائرة، وتحمل اسم «فوستوك- 2018»، وتجرى فى شرق البلاد بمشاركة الصين ومنغوليا.
وزير الدفاع الروسى، أكد أن هذه المناورة «ستكون بمثابة تكرار لمناورة «زاباد- 81» التى أجريت فى أوروبا الشرقية عام 1981، ولكن على نطاق أوسع وأكبر وأشمل.
«سيرجى شويجو» وزير الدفاع الروسى، قال أيضا: «لنا أن نتخيل أن 36 ألف قطعة عسكرية تتحرّك فى الوقت ذاته، سواء كانت دبّابات وناقلات جند مدرعة أو عربات مشاة قتالية، وألف طائرة وأكثر من 300 ألف جندى، يؤدون المناورة فى ظروف أقرب، إلى كونها معركة حربية حقيقية، منها مناورة تدريب عسكرية..!!
هذه المناورة، المزمع إجراؤها بعد 10 أيام، لم تزعج الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، ولكن أزعجت حلف شمال الأطلسى، أيضا، وخرج المتحدث الرسمى باسم الحلف، بتصريحات قال فيها: «إن هذه المناورة الضخمة تكشف أن موسكو تركّز على التدرّبب العسكرى فى نطاقه الواسع والشامل، ما يؤكد أن روسيا باتت أكثر ثقة بنفسها، وتعمل على الزيادة المستمرة فى ميزانيتها العسكرية وحضورها القتالى».
الحضور العسكرى الروسى، وقدرات موسكو على التطوير المستمر والمذهل فى إنتاج السلاح، وتحديدا منظومة الدفاع الجوى، ثم المناورات الأضخم فى تاريخها، يكشف أن إدارة الرئيس بوتين تدرك بقوة تقلبات الطقس السياسى، واستعار الأطماع الاقتصادية، وتنفيذ مخططات إثارة الفوضى فى عدد من الأوطان، مثلما حدث فيما يطلق عليه زورا وبهتانا، ثورات الربيع العربى!!
كما أن روسيا لن تستطيع نسيان التدخلات الأمريكية والغربية فى تأليب أوكرانيا ضدها، ومحاولة التدخل السافر فى شؤونها الداخلية، وإثارة الفوضى، للضغط على روسيا ومحاصرتها، من خلال احتضان إوكرانيا، واعتبرته عدوانا أمريكيا وغربيا ضدها.
ومنذ تلك الأحداث التى اندلعت تحديدا فى فبراير 2014 التى تعتبرها أوكرانيا «ثورة» بينما تصفها روسيا «بالانقلاب»، فإن الدولتين لم تنعما حينها بالراحة، فقد اندلعت احتجاجات من السكان الناطقين بالروسية رافضين الاعتراف بالسلطات الجديدة ومطالبين بالحفاظ على التعاون مع روسيا وإقامة نظام فيدرالى، وسط رفض أوكرانيا، ما دفع روسيا إلى الإعلان عن ضم شبه جزيرة القرم، كما أعلنت استقلال جمهوريتى دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين من جانب واحد، ما أدى لنشوب حرب فى منطقة دونباس أودت بحياة ما يقرب من 5 آلاف شخص، ونزوح مئات الآلاف من سكان شرق أوكرانيا من مناطق القتال إلى مقاطعات أوكرانية أخرى وإلى روسيا وغيرها من الدول، وهو ما استغلته أمريكا والدول الغربية، وقرروا فرض عقوبات اقتصادية عليها.
تأسيسا على ما حدث فى أوكرانيا، الشبيهة بما حدث فى ثورات الربيع العربى، دفع روسيا إلى إدراك مخاطر تسلل لهيب النار لأراضيها، لذلك وبسرعة قررت أن تكون قوة عظمى تسليحا وتأثيرا سياسيا، وقدرات اقتصادية، وأن تكون رقما فاعلا فى معادلة ميزان القوى..!!
لذلك فالمناورة العسكرية الأكبر والأضخم فى تاريخ روسيا، وبمشاركة الصين، رسالة لأمريكا والغرب تقول: ها نحن قد عدنا، وأصبحنا رقما كبيرا ومهما فى معادلة توازن القوى..!!