بناء على رغبة الجماهير، بعد أن تعددت الإيميلات والمكالمات التليفونية، قليلها هادئ النبرات وأكثرها حاد الكلمات- على رأى أستاذى إبراهيم الوردانى رئيس تحرير الجمهورية الأسبق- «عشماوى يتفسح وفى يده المشنقة»، والمطلب الملح من الجميع هو: أنت كاهن قبطى تكتب بصراحة شديدة لم نعهدها من قبل، فلماذا تصمت عن رأيك فى جريمة دير أبو مقار؟ وجادلنى أحد أساتذتى الصحفيين الكبار مازحا- أو ماكرا الله أعلم بالنيات- اعتبر مقالك الجديد عقابا لك على الجراءة والصراحة بالمقالات السابقة، لذلك فالضرورة موضوعة ولزاما على أن أكتب هذا المقال، ولكننى أستأذنك عزيزى القارئ فى كتابة نصف مقال فقط، وأترك لكم استكمال واستنتاج النصف الآخر، كما يفعل البعض فى لعبة السودوكو، وحتى أتمكن من تربية الأولاد «علما بأننى ليس لدى أولاد».
حقيقة الأمر يا أعزائى أننى كنت أتريث حتى بدء إجراءات محكمة الجنايات، وذلك لأن توصيف الجريمة وطريقة حدوثها وتقرير الطبيب الشرعى والجريمة برمتها بها العديد من الأسرار والغموض، مما يفتح باب الاجتهاد والتحليل والاستنتاج على مصراعيه، فليست القضية كما توهم البعض «قاتل وقتيل وشريك»، ولو أطلقنا العنان قليلا للخيال الجنائى للمؤلفين، ربما تشهد قاعة محكمة الجنايات مشاركة شخصيات مهمة فى الجلسات، الذى قد يتبعه عقد بعض الجلسات السرية، واستمرارا للخيال الدرامى، وهذا من سمات الأدب الروائى أيضا، فقد تظهر أدلة جديدة تفتح دروبا أخرى لها مسالكها الشائكة تماما، مثلما يحدث فى الأفلام البوليسية، فتتأرجح أدلة إدانة القاتل الحقيقى بين شخصيات الرواية، فنلهث وراء بعض الحقائق حينا ثم نلفظها جانبا بعد جلستين أو أكثر للمحكمة التى ندعو الله أن يوفقها فى هذه القضية الشائكة للغاية، والتى سوف تستغرق الكثير من الجلسات والشهور الطويلة.
وكأننى يا أصدقائى أكتب رواية بوليسية محاصرا بالرقابة الصارمة القانونية والكنسية، فأضطر للكتابة على سطر وأترك لك سطرا، البعض سوف يتفق معى والآخر يختلف، ونظل هكذا فى التأرجح سويا حتى بداية جلسات المحكمة التاريخية بمفاجآتها المدوية المتوقعة، وأحداثها الساخنة التى سوف تدخلنا جميعا معمعة الاختلافات، وأتمنى ألا تتحول لخلافات، وإن كنت أشك فى الوصول لهذه الأمنية نظرا لتعدد الاتجاهات والآراء للمتفقين والمعترضين وأصحاب النيات الطيبة مع الشريرة جنبا إلى جنب، حتى يتساقط البعض ويختفى من المشهد الدرامى، ويتناقص عددهم سريعا مع استمرار وتصاعد الصراع المرتقب بين اتهامات النيابة وحصارها ضد دفاع المتهمين وأدلتهم، وتختم الرواية البوليسية بقرار العدالة الأرضية ممثلة فى رئيس المحكمة الذى ينتظر- مع صالح دعواتنا جميعا له بالتوفيق- المعونة الإلهية فيرفع رأسه للسماء مستلهما الحكمة من رب الحكمة، ويخفض رأسه ليتابع الجلسة بهدوء وثقة واقتدار، وينتقل من اليمين إلى اليسار بين النيابة والمحامين.. آمين.