بالأمس تناولت رد وزارة البيئة على تقرير مجلة فوربس التى زعمت أن القاهرة على رأس مدن العالم فى نسبة التلوث، وفى الحقيقة لم أقتنع بما نشرته المجلة فى الأساس ليس إيمانًا منى بنظرية المؤامرة، وليس تكذيبًا لكل ما هو ضد مدينتى الأحب، لكن لأن القاهرة على ما بها من ازدحام وضوضاء وتلوث لم تصل بعد لما تصل إليه المدن المكتظة بالمصانع الملوثة للبيئة، ولم تقترب حتى من بعض المدن فى الصين «مثلًا» التى لا يمشى الناس فيها إلا بالكمامات، لكنى مع هذا أدرك تمامًا أن القاهرة أصبحت مدينة ملوثة بشكل كبير، وأن هذا التلوث ليس وليدا لسنة مرت أو سنتين ولا حتى عشرة أو عشرين، لكنه وليد عقود من التخريب المتعمد للرقعة الزراعية التى كانت تحيط بالقاهرة وتحرسها، وللحدائق التى أصبحت شوارع وعمائر ومولات، وللسيارات التى غزت شوارع القاهرة بلا دراسة ولا تأهيل ولا صيانة، بالحرائق التى لا نعرف مصدرها ولا مشعلها ولا سببها، بالهدم المتعمد لقيم المحافظة على نظافة الهواء، وبالردم المتعمد لكل مصادر الماء.
باختصار وقعت القاهرة ضحية فساد بيئى مهول، تراكم وازدحم وتكاثر وتناثر، ولهذا كان طبيعيا أن يكتسب الادعاء مصداقية، وأن يظفر وضع القاهرة على رأس مدن العالم الملوثة ببعض من معقولية، ولا أبالغ إذا قلت إن مصر الآن فى حاجة ماسة إلى ثورة بيئية، نعالج من خلالها كوارث العقود الماضية، مدركين تمامًا أننا أمام تحدٍّ حقيقى له العديد من الآثار السلبية المهولة، فهذا التلوث المهول من شأنه أن يؤثر على توافد السائحين إلى مصر، كما يؤثر بالطبع على الصحة العامة للمواطن، كما يؤثر على المزاج العام، ويؤثر بالطبع على المظهر الحضارى لمصر، كل هذا لأننا لم ننظم المرور بالشكل الكافى، ولم ننظف الشوارع بالشكل اللائق، ولم نخطط الحدائق بالشكل المناسب، ولم نراع تناسب البنية التحتية مع الطاقة السكانية بالشكل العلمى، ولم نفكر فى أننا ندمر مدينتنا وندمر حياتنا، ونخسر مليارات الجنيهات من فقدان السياحة وفقدان الصحة وفقدان الذوق وفقدان الهمة، وفقدان النخوة، وفقدان الغيرة على بيئتنا.