شهادة شعراوى جمعة

لم يكن شعراوى جمعة اسما عاديا فى تاريخ السياسة المصرية، فهو وزير داخلية مصر من 10 سبتمبر 1966 وأمين تنظيم الاتحاد الاشتراكى وأمين طليعة الاشتراكيين «التنظيم السرى لجمال عبدالناصر»، وهو ضمن الذين تقدموا باستقالتهم إلى الرئيس أنور السادات ضمن عدد آخر من الوزراء أبرزهم الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية ومحمد فايق وزير الإعلام، وذلك فى القضية التى أطلق عليها السادات «مراكز القوى»، وقبل السادات هذه الاستقالات يوم 13 مايو 1971، وتم تشكيل حكومة جديدة يوم 15 مايو، وأصبح هذا اليوم «عيدا» طوال حكم السادات يحتفل به تحت اسم «ثورة التصحيح»، ويدلى خلاله بحوار للإعلامية همت مصطفى، وتتحول وسائل الإعلام فيه إلى آلة شيطانية تلطخ كل الأيام السابقة على 15 مايو بالسواد، وتتحدث عن الأيام السعيدة التى حلت بعدها.

هكذا كان يحتفل السادات باليوم الذى تخلص فيه من «رجال جمال عبدالناصر»، ولم يكتف بذلك بل أحالهم لمحاكمات باتهام أنهم دبروا انقلابا على الحكم، وقضت محكمة أمن الدولة العليا بالسجن على المئات ممن شملهم قرار الاتهام، ويمكن القول إن هذه القضية تحديدا تخضع لتأويلات وتفسيرات مختلفة من ضمنها، أنها الحدث الذى مهد أو فتح الباب لمسار السادات فى الحكم، المناقض لمسار عبدالناصر، والذى لم تخرج مصر من أسره بعد.

كان شعراوى جمعة بكل تاريخه المحترم من أكثر الذين تعرضوا للتشويه، وظل فى مرمى الأكاذيب التى تنال من التجربة الناصرية، ولا أنسى مثلا فى نهاية سنوات السبعينيات من القرن الماضى قيام الإعلامية آمال فهمى فى برنامجها «على الناصية» بإجراء لقاءات مع مواطنين فى ذكرى «ثورة التصحيح»، وكان من ضمنها طالبة جامعية قالت: «بتفكرنى بتقليع الضوافر للى بيعتقلوهم وكان بيعملها واحد اسمه شعراوى جمعة»، وهكذا كان إعلام السادات يبث سمومه.

لماذا الحديث عن شعراوى جمعة الآن؟، والإجابة تأتى من عند الكاتب المحترم والصديق محمد حماد، الذى أصدر قبل أسابيع كتابه المهم «وزير داخلية عبدالناصر- شعراوى جمعة- شهادة للتاريخ» «مركز الأهرام للنشر»، وهو كما يقول «حماد»: «يحكى أحداث الـ7 شهور من 28 سبتمبر سنة 1970، يوم رحيل جمال عبدالناصر إلى يوم 13 مايو 1971 يوم أقال أنور السادات، شعراوى جمعة، يروى القصة الكاملة لتلك الأيام، المقدمات والخلفيات والوقائع حتى الأخطاء التى وقعت، يرويها بصراحة واحد من أهم وأبرز أبطالها».

بالرغم من أن «شهادة شعراوى» محددة بفترة زمنية، بما يعنى أننا لن نجد فيها سردا تتابعيا لقصة حياة الرجل بدءا من ميلاده، إلا أننا سنجد عودة إلى فترات سابقة عن الفترة الزمنية المحددة «28 سبتمبر1970 - 13 مايو 1971»، وذلك بطريقة تبدو وكأنها «فلاش باك»، فمثلا يتعرض لمظاهرات طلاب الجامعات المصرية عام 1968، احتجاجا على ضعف الأحكام الصادرة ضد قادة سلاح الطيران لتقصيرهم فى أداء واجبهم، مما أدى إلى نكسة 5 يونيو 1967، وربما يتسلل إلينا من شهادة شعراوى فى هذه القضية مثلا أنه يرويها من موقع وزير الداخلية، وبالتالى فإن الصبغة الأمنية ستكون غالبة، غير أن الحقيقة أننا سنجد أنفسنا أمام شهادة تؤكد على أن الأسلوب السياسى كان هو الأساس فى مواجهة هذه الأزمة التى قادها الجيل المؤمن بقيادة جمال عبدالناصر، وبالتالى فنحن أمام حالة تحتاج إلى إعادة قراءتها لنعرف أن السياسة قبل الأمن هى الحل السحرى لضمان مشاركة الناس فى الهم الوطنى.

فى «شهادة شعراى» التى كتبها «حماد» باقتدار معهود محطات أخرى تفك ألغازا فى تاريخنا.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;