كنت أتحدث مع السيدة الفاضلة والإعلامية الكبيرة «نهال كمال»، زوجة «الخال» عبدالرحمن الأبنودى وأم ابنتيه، عن عشق الخال لثمار الفاكهة، وخاصة المانجو، ثم قالت لى كيف كان الخال يحب شجر الرمان كما يحب ثماره، وكيف كان يذهب إلى مزارع الرمان فى بلدتهم ويسرق منها هذه الثمرة الساحرة حتى أطلقوا عليه فى قريتهم اسم «رمان»، ومن أجلها ومن أجل بداية موسم الرمان السنوى، أعيد نشر هذا المقال الذى كتبته فى 21 أكتوبر 2016:
ساحرة ومسحورة، ظالمة فى حسنها، شهية فى ملمسها ومذاقها، أنظر إليها بعين متطلعة، لم أقتنع أنها ثمرة فاكهة مثلها مثل غيرها من الثمار، فهى الغريبة التى لا يشبهها أحد ولا يقترب من فتنتها أحد، وهو أمر صدقه القرآن كذلك، حينما قال واصفا نعيم الجنة بأن بها «فاكهة ورمان» وكأن الفاكهة شىء، والرمان شىء آخر، كذلك افتُتن بعض الفقهاء بهذا القول حتى أقسم أحدهم أنه لو حلف أحد بأن الرمان ليس فاكهة فما كذب.
عزيز غريب، يأتى الرمان سريعا ويغيب سريعا، منذ فترة طويلة وأنا أحاول تخصيص مقال أسبوعى لحديث آخر غير حديث السياسة العابر، وفى كل مرة أؤجل هذا المشروع حتى رأيت الرمان صادحا فى الشوارع مجاهرا بحسنه، فأصبحت النية المؤجلة أمرا واقعا.
أنتظره كل عام بشغف، وأفتقده بقية العام، المتصوفون أيضا كانوا ينتظرونه لينظروا ما به من سحر، حتى أصبح رمزا محببا من رموزهم الفياضة، والمصريون القدماء قدسوه واعتبروه منحة إلهية لأرض مصر، منحة سيتباكى عليها اليهود حينما يخرجهم موسى من وادى النيل ويقولون له: «لماذا أخرجتنا من أرض الحنطة والشعير والكروم والرمان؟»، إذ تجتمع فى تلك الثمرة المدهشة آيات سحر الشرق وغموضه، تكاد حبيباته تضىء ولو لم يمسسها نور، خفى وواضح، كالنفس الإنسانية التى تخفى أكثر مما تضمر، كالحقيقة التى لا تبوح بأسرارها إلا للصابرين، لا يحب المتعجلين، الذين يتبعون النهم منهجا، مثله مثل الأنثى فى معناها الأسطورى، محرم على المنتهكين النهمين، لابد من محايلة ومحاولة بعد محاولة لتنعم بالكنوز الخفية والمتعة الآسرة.
الكثير من الأساطير دارت حوله، فاعتبرته بعض الشعوب رمزا للحياة والحب والتكاثر، وخلده الإبداع الشعبى كرمز للخصوبة، وتغنى «نشيد الإنشاد»، ذاكرا إياه ست مرات، ويقال إن الشجرة المحرمة التى أكل منها آدم كانت شجرة رمان، وليست شجرة تفاح، وهو أمر يكاد يصدقه العقل ويقبله المنطق لما فى شجرة الرمان من سحر يلقى فى النفس رهبة ورغبة، فكل شىء فى الرمان مميز، وكل شىء فيه متفرد، شكله، لونه، مذاقه، عذوبته، يشبع ويروى، يؤنس ويمتع، لا عجب أيضا فى افتتان الشعراء به، ولا عجب فى تشبيههم لأجمل ما فى الأنثى بمفردة من مفرداته، يشبهون الخد به، يشبهون الصدر به، يشبهون الشهوة به، يشبهون الصفاء به، مثال جمالى أخاذ، خلقه الله على صورته الفريدة ليخبر الجميع بأن مخزون الإبداع الإلهى لا ينفد، وأنه الله القادر، قادر على اختصار كل معانى الجمال فى ثمرة فى حجم اليد.