لم تقتصر خطايا جماعة الإخوان فى حق الوطن، على محاولة إسقاطه فى بحور الفوضى، وإنما وصلت إلى تشويه الدين الإسلامى، والإساءة إليه من خلال ارتكاب كل الموبقات، ونجحوا فيما فشل فيه كل أعداء الإسلام..!!
الممارسات الكارثية للجماعة الإرهابية، بدءًا من تدشين فتاوى تتقاطع مع العقل وكل أدوات المنطق، ومرورا بتطبيق سياسة الكيل بمئات المكاييل، وإقحام الدين فى وحل السياسة، دفعت إلى احتلال مصر، صدارة، وزعامة الدول العربية والإسلامية فى انتشار الإلحاد، حسب تقارير لمعاهد بحثية دولية متخصصة.
تعالوا نعترف أن الأراضى المصرية خصبة، ويترعرع فيها التطرف بشكل سريع وخطير منذ فجر التاريخ، فلا يغيب عن أذهاننا تطرف وتشدد الكهنة وتحكمهم فى زمام الأمور طوال التاريخ الفرعونى، وعندما دخلت المسيحية مصر أصبحت كنيسة الإسكندرية، الأكثر تشددا عن مثيلتها الغربية، وظهر متشددون ومتطرفون مسيحيون يحرمون التماثيل والمعابد ويطالبون بتحطيمها، وينكلون بالمثقفين والعلماء، ويعلون من شأن الكهنوت.
وعندما دخل الإسلام، مصر، ظهرت فرق مسلمة متشددة عديدة، حتى وصلنا إلى عام 1928 الذى شهد تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية، المفرخة لكل الحركات الإرهابية طوال ما يقرب من قرن مضى، ويدفع ثمنها الآن كل الشعوب العربية والمسلمة، وما داعش وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة وتنظيم أنصار بيت المقدس وحماس والجماعة الإسلامية والجهاد والتكفير والهجرة، وغيرها من المسميات، إلا جماعات خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية!!
واستطاع الإخوان التسلل لمنابر الأزهر، وسكنوا بعضا من دهاليزه، بدءًا من منتصف الثمانينيات، وأصبحت هناك خلايا من عينة حسن الشافعى، عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور محمد عمارة رئيس تحرير مجلة الأزهر السابق، وغيرهما كثر، سخروا أنفسهم كدعاة ومبشرين بجنة الإخوان، إلى حد أنهم اعتبروا حسن البنا المالك الحصرى «للفكر الإلهى»، وظهرت انتماءاتهم للجماعة عقب ثورة 30 يونيو 2013، وأعلنوا ذلك من خلال بيانات إدانة للثورة، ووصفها بالانقلاب، وهو أمر مسجل صوتا وصورة.
وبعد وصول جماعة الإخوان الإرهابية للحكم، ظهرت على حقيقتها، وفوجئنا بها وبكل أتباعها من التنظيمات والجماعات المتطرفة، يظهرون حقيقتهم المتطرفة والإرهابية ويأتون بالفتاوى الغريبة والعجيبة المتصادمة مع أبسط قواعد المنطق والعقل، ما أدى إلى إصابة المجتمع بارتباك شديد، وصل إلى حد الردة، وهنا كان للمؤسسات والكيانات المتبنية لمنهج الإلحاد، دور فى استثمار حالة الارتباك والردة فى المجتمع المصرى، فأعدت خطة التبشير بأفكارها البالية على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر».
وفى ظل تصاعد وانتشار الإلحاد، أصبح المجتمع المصرى بين شقى الرحى، نيران التطرف والإرهاب، وكارثة الإلحاد، وقدرت جهات معنية عدد الملحدين فى مصر بما لا يقل عن 6 ملايين ملحد، معظمهم فى الفئات العمرية من 20 وحتى 25 عاما، وهو الأمر الذى دفع النائب عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية بمجلس النواب، فى أوائل العام الحالى، إلى التقدم بمشروع قانون يتكون من 4 مواد، المادة الأولى تشمل تعريف الإلحاد والمقصود به، والثانية خاصة بفرض العقوبات على الملحدين وتجريم الظاهرة، والمادة الثالثة تتحدث عن إلغاء العقوبات حال استتابة الملحد والتراجع عن أفكاره، وستكون العقوبة التى يتضمنها القانون الجديد مشددة ورادعة.
وبالطبع أول من هلل فرحا وطربا بمشروع القانون هم قيادات الأزهر الشريف، واعتبروا ظاهرة الإلحاد بمثابة الكارثة التى ستؤثر على أمن واستقرار المجتمع تأثيرا سيئا، دون إدراك منهم أن التشريع يمكن له أن يحد من الظاهرة فى العلن، لكن لن يقضى عليها فى الواقع، ومن ثم فإن الأزهر والكنيسة معنيان بمواجهة الأفكار المتطرفة بشكل عام، سواء التطرف الدينى، أو تطرف الإلحاد.
نعم، سن القوانين لمواجهة ظاهرة من الظواهر لا يكفى، والدليل أن كل القوانين التى تم سنها لمواجهة تجارة المخدرات، ووصلت إلى حد الإعدام لم تمنع انتشارها، واستفحل أعداد المتعاطين والمدمنين، لذلك فإن مواجهة كارثة استفحال ظاهرة الإلحاد، لابد أن يكون فكريا، وأن دور المؤسسات الدينية، الاضطلاع بنشر المنهج الوسطى المعتدل، وتأكيد قيم التسامح والرحمة، بجانب دور المفكرين والمثقفين لشرح ظاهرة التطرف بشقيه، من خلال تكثيف الدفع بالقوافل الثقافية والمعرفية لتجوب القرى والنجوع والمدن والمحافظات المختلفة، ولا يكتفون بالظهور أمام كاميرات القنوات الفضائية، وإقامة الندوات فى ساقية الصاوى والأتيليه وعلى مقاهى وسط القاهرة.
ويكتسب دور المدارس والجامعات وقصور الثقافة، أهمية كبيرة فى التصدى لظاهرة التطرف والإرهاب، كون إشكالية قضية الإيمان والإلحاد تكمن فى المعرفة وتصحيح الأفكار، والإقناع بالمنطق والعقل، مع الوضع فى الاعتبار أن العالم أصبح قرية صغيرة، وروافد الاتصال ونشر الأفكار المشوشة لا تعد ولا تحصى!!
ومن خلال هذا السرد المبسط، يتبين أن ما ارتكبته جماعة الإخوان الإرهابية من كوارث لم تطل الوطن فحسب، وإنما شوهت وأساءت إلى الإسلام أيما تشويه، ونجحوا فيما فشل فيه كل أعداء الدين طوال أكثر من 1400 سنة، وكانت النتيجة زيادة مهولة ومرعبة فى أعداد الملحدين..!!