فى مصر منذ 6260 عاما كان هناك تقويم شمسى مازال صالحا للاستخدام حتى الآن، مازال فعالا حتى الآن، مازال معتمدا للزراعة والفلك حتى الآن، هو أقدم تقويم شمسى عرفته البشرية، وهو أول إسهام حضارى يضع على الزمن علامات محددة تمكن الإنسان من العيش بصورة عادلة مع الزمن، قبلها كان الإنسان حالة سيولة مع الزمن اليوم يمر بعد اليوم، والشهر يمر بعد الشهر، والعام يمر بعد العام، لا شىء يميز الأيام عن بعضها البعض، ولا شىء يميز الشهور عن بعضها البعض، لم يكن هناك شىء مميز سوى الفصول، التى يختلف فيها المناخ فحسب، لكن المصرى القديم العالم المتأمل المنظر وضع على هذه الأيام، فقسم السنة إلى 12 شهرا، بالإضافة إلى أيام النسىء، وعرف أن السنة بها 365 يوما، وبهذا تمكن من حساب الأيام ومعرفة زمن الفيضان بالتحديد، ومعرفة فصول السنة وأشهر الزراعة، فتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء كما تمكن من تحقيق فائض يعتمد عليه أيام الفيضان، فأسس حضارة عظيمة اسمها حضارة مصر.
منذ 6260 عاما خط المصرى القديم أول خط فى درس الزمن، ومنذ ذلك الحين أصبحت مصر عصية على النسيان، وأصبحت مصر حجر زاوية فى حضارة البشرية، يأخذ منها الجميع ما يريدونه من معرفة وعلم وإلهام، لنا الحق أن نفخر؟ نعم، ولنا الحق أيضا أن نحزن، فقد احتفل العالم الإسلامى أمس بالهجرة النبوية المشرفة، ومنحتنا الحكومة إجازة رسمية بمناسبة هذا الحدث العظيم، لكن للأسف لم يذكر أحد أن فى هذا اليوم أيضا هو أول أيام «توت» أو «تحوت» الشهر الأول فى العامين المصرى والقبطى، الشهر الذى كان يحتفل فيه المصريون بذهاب الصيف بحرارته وفيضانه وإقبال الخريف الذى يعد بحق ربيع مصر، والذى تتهيأ فيه الأرض للزرع والثمر والحياة.
أنت تملك كنزا من الفخر، لكنك تضيعه بالنسيان، تملك كنزا من العلم لكنك تضيعه بالجهل، تملك كنزا من الحياة، لكنك تذهبها بالموت، تملك كل الحضارة لكنك تطمسها بالتخلف، ولا أعلم إلى متى سنظل جاحدين إلى هذا الحد، ولا أعرف متى سيأتى اليوم الذى نكتب فيه التاريخ اليومى بالتقويم المصرى القديم، بالإضافة إلى التقويمين الهجرى والميلادى، ومتى سنعلم أننا نضيع 6260 سنة من العلم والعمل، لنبزر عوضا عنها 6260 خيبة.