بدأت، أمس، سنة هجرية جديدة تحمل رقم 1440، وفى كل عام من هذه الذكرى، أجدنى أتذكر ما كتبته فى هذا الشأن ذات يوم وأعيد نشره.
منذ سنوات فى ثمانينيات القرن العشرين كان الدكتور أحمد درويش، أستاذ البلاغة والأدب المقارن، يدرس الدكتوراه فى جامعة السوربون فى فرنسا، وذات يوم كان مشغولًا بشكل لافت للنظر، ويقوم بالعديد من الترتيبات ويدعو عددًا من الزملاء لحضور حفل معين حتى أن إحدى زميلاته فى الجامعة سألته عن سبب الاهتمام الذى يبديه العالم الإسلامى، وأنها تلاحظ فى الصحافة اهتمامًا إسلاميًا بحادث ما، فأخبرها أنهم يستعدون للاحتفال برأس السنة الهجرية، وأنه بعد أيام قليلة سينقضى عام 1399 هجرية، ويدخل العالم الإسلامى عام 1400هجرية.. فصاحت الفتاة الفرنسية متعجبة: ألم تدخلوا بعد للقرن الـ15.. حاول الدكتور أحمد درويش أن يشرح لها الفارق بين التاريخ الميلادى والتاريخ الهجرى.. لكنها قالت له: الآن فقط استطعت أن أفهم كيف يفكر العالم الإسلامى أنه يعيش فى القرن الـ15 فى عصور الظلام.
فهل حقًا نحن نعيش فى القرن الـ15، طريقة تفكيرنا تثبت ذلك ومن النقاط الرئيسية التى تؤكد ما ذهبت إليه الفتاة الفرنسية:
ما زالت أفكار نهاية العالم مسيطرة على الكثيرين حتى المتعلمين، وما زالت أحاديث علامات القيامة هى التى تقود خطب يوم الجمعة، وما زالت كلمة «بدعة» متعلقة بالعالم وبكل ما يحدث، حتى أن أحد الأئمة ذهب إلى أن زيادة البرد فى الشتاء من علامات يوم القيامة.
والدليل أيضًا على أننا نعيش فى القرن الخامس عشر، أن قضية صراع الدين والعلم لم تحسم بعد، ولم يتوقف كل واحد منهما عن التدخل فى شؤون الآخر وإفساد ما يقوم به، حتى أن كثيرًا من العلماء يحاولون أن يقوموا بعملية توفيق بين الجانبين، مع أنهم يعرفون جيدا أن هذا التوفيق لن يصل إلى نتيجة حقيقية يمكن البناء عليها، ولعل نصوص التفسير العلمى للقرآن الكريم توضح ذلك، ولعل ما ذهب إليه الدكتور زغلول النجار فى هذا المجال يكشف كثيرا من ذلك الأمر، ورغم وجود أصوات عاقلة ترى أنه لا داعى للربط بين القرآن والنظريات العلمية إلا أن هذا الموقف المعتدل لا يصمد كثيرًا أمام دعاوى الربط بين الجانبين.
ثالث الأشياء التى تدل على أزمتنا هى أننا نفكر دائمًا فى هوياتنا المغلقة التى ترفض تقريبًا قبول الآخر، وتعتبره يأخذ من مكانتنا وأن وجوده يمثل إيذاءً لنا، لذا علينا رفضه وعدم تقبل وجوده ولو لم يتحول لجانبنا سيصبح بالنسبة لنا «عدو»، ولعل المشكلات التى حدثت من قبل بعض الأشخاص تجاه بعض «الشيعة» فى قرية أبو مسلم تعكس ذلك، كذالك ارتفاع وتيرة العنف الطائفى والمذهبى داخل أوطاننا يؤكد ذلك.
لذا يجب علينا التفكير جديًا فى الخروج من أفكار القرن الـ15 ليس على المستوى الزمانى لكن على المستوى الحضارى والتقدمى.