تطرقت فى مقال سابق إلى فتوى فضيلة المفتى الكريم د. شوقي علام ، بشأن عدم مشروعية دخول من عقد قرانه على زوجته التى عقد عليها ، إلا بعد إذن ولي أمرها، وأشرت إلى مخاوفي من أن هذه الفتوى قد تجعل من عقد الزواج عقدا معلقا على شرط وتثير تساؤلا حول صحة عقد الزواج وما قد يترتب عليه من حقوق مختلفة على طرفيه .
فالزواج رجل وامرأة.. ولما كان ظاهر الهدف من فتوى فضيلة المفتي الكريم هو إصباغ مزيد من الحماية للمرأة، فقد وجدت أنه من الضروري أن أقف عن هذه الحماية ومرماها.
إن الزواج يتم بين طرفين متساويين في الحقوق و الواجبات شرعا وقانونا ، وإن اختلفت طبيعة الرجل عن طبيعة المرأة، ولا يمكن لرجل أن يتزوج إمرأة بعقد زواج صحيح ، إلا إذا كان برضا المرأة ورغبتها .
وفي عموم الحال ، وبعيدا عن ظروف الاستثناء وظروف المشاكل وما الى ذلك من أحوال الخروج على ما ألفه الناس ، فان طرفي الزواج في كل زيجة يرتبطان معا ليبدأ حياة جديدة ، ولعلها تكون حياة سعيدة مديدة . ويرتبط طرفا الزواج معا من أجل أن يكونا مسؤولين عاملين في مجتمعهما مسهمين في بنائه وفي تطوره ، ومن أجل أن يكونا اسرة جديدة وبيتا جديدا يحمل اسمهما ويدفأ بوجودهما وبحركتهما فيه . ولا يرتبط طرفان في زواج ليكون أحدهما موجودا والأخر خفيا أو عديم الحق أو مسلوب الارادة . فالزوجان اذاً يريدان الدخول وليس الرجل فقط . فلماذا نقصر الحديث على رغبة الزوج في الدخول ياالزوجة وكأن الزوجة لا رغبة لها ولا رأي لها ولا مأرب لها من دخول الزوج بها ؟ ولماذا نصر على اطالة قصة الدخول وما لها وما عليها ومن يوافق عليها ومن يسمح بها ومن لا يسمح بها بين زوجين عقدا زواجهما وانتهى أمرهما – كغريبين أو كخطيبين – وفقا للقانون والشرع معا ؟وما الهدف المأمول من تحميل الأمور ما لا تحتمل في ظروف حياتية تزداد قسوة وغلظة كل يوم وكل ساعة؟
إن المرأة إنسان كامل له فكره وتطلعاته التي قد لا تختلف كثيرا عن الرجل ، الا فيما اختلفا فيه من طبيعة جبل الله سبحانه تعالى الانسان عليها . وهذه حقيقة لا ينكرها الا من أنكر حقا . وهناك من الأسباب الكثير مما يجعل المرأة تسعى الى الدخلة مثلما يسعى الرجل وأكثر من سعى الرجل وبقوة أكبر من قوة سعى الرجل الى الدخلة . فهل هناك من ينكر أن المرأة تريد أن تصبح امرأة كاملة ؟ هل من امرأة لا تريد أن تصبح أما ؟ هل من امرأة لا تريد أن تكون مع من وافقت عليه زوجا ؟ هل يوجد امرأة لا تحب ولا تتمنى أن تغمض عينا وتفتحها لتجد نفسها مع الرجل الذي اختارته أو أحبته وترى فيه حياة موفقة آمنة جميلة لا يشوبها حزن ؟ هل من امرأة أو فتاة لا تحلم باليوم الذي تصبح فيه سيدة منزلها وربة بيتها والمرأة الوحيدة في بيتها هى ؟
لا يوجد مثل تلك الفتاة أو المرأة التي لا تحب أباها ، ولكن هل يوجد فتاة أو امرأة تقبل ببقائها في بيت أبيها وتقبل سلطة أبيها عليها ، حتى بعد زواجها ؟ ألا تحب وتتمنى وتريد الفتاة أو المرأة أن تكون رهن كلمة زوجها - ما دمات قد تزوجت - وليس رهن كلمة ابيها أو أخيها أو ولي أمرها ؟
ان الاستفسارات كثيرة في الحقيقة حول معنى هذا التطويق للمرأة من كل جانب وحول مباراة اظهار الحماية المبالغ فيها في كل وقت وفي كل حين - وبلا داع حقيقي أحيانا - في وقت تحكم فيه القوانين بلاد الدنيا جميعا وتكتظ بما لا نهاية له من مواد تكفل الحقوق والحريات للجميع ، على أساس من المساواة بين الجنسين ، حتى في أتعس الدول وأكثرها فقرا ورجعية ، الا ما ندر . ولا يلبس المرء أن يعود مستغربا الى التفكير في مثل هذه الحماية الغريبة في عصر أصبحت فيه المرأة وزيرة وضابط شرطة وضابط مخابرات ومصارعة في حلبة المصارعة ورائدة فضاء وعاملة منجم في باطن الأرض ، وضابط اطفاء يخوض حمم النيران ، ومقاتلا على الجبهات المتعددة المشتعلة بكافة أنواع أسلحة الفتك والحرب والدمار ، وغير ذلك من قائمة ممتدة من المواقع التي قد لا يشغل بعضها الا الرجال الأشداء الأقوياء العزم والشكيمة . فمع كل الاحترام لاصحاب الحماية المعززة والمدافعين عنها والمحتشدين وراءها ، قد لا يجد المرء مكسبا اضافيا يضاف الى مكاسب المرأة أو الى مكاسب الرجل . فليس الرجل عدوا للمرأة أبدا ، ولكنه رفيق في طريق الحياة . وما قد يعيق مسيرة المرأة قد يعيق مسيرة الرجل بكل تأكيد . فاذا كان لدينا طاقة للحماية المفرطة ، فلماذا لا تتطرق هذه الحماية الى حق المرأة في الارث بدلا من حمايتها من الرجل الذي عقد زواجها عليها لتوه ؟ الا يهم أن ترث المرأة وأن تنال حقها الذي كفلها له الخالق عز وجل ، بينما الناس تستحله وتستكثره وتعطي للولد وتشتري له وتملكه وتستخسر في البنت وتحرمها ؟
لماذا لا تفكر هذه الحماية الزائدة عن هف حقيقي تحقق به المرأة ويحقق به المجتمع هدفا حقيقيا ؟ مثل أن يشتمل اسم الأولاد على اسم الأب واسم الأم معا ، كما هو في بعض الثقافات الأوروبية . أفلم ينجب الزوجان من أنجبا من أولاد معا ؟ حفظ الله مصر دولة مدنية تتساوى فيها الحقوق والواجبات ، وحفظ رئيسها ووفقه الى الخير كله .