كل دول العالم لديها أنظمة تعليم مستقرة تطورت عبر الزمن، أما نحن فمازلنا طوال عقود نبدل ونغير أنظمة التعليم أكثر مما نغير ملابسنا، مع الأخذ فى الاعتبار أن التعليم المحلى أنتج عشرات ومئات العلماء والمفكرين فى الداخل والخارج، ويصاب المراقب بالدهشة وهو يرى محاولات ربط تطور التعليم بألوان الجلاد ومسميات زمزمية الماء أو صندوق الغداء، وتخترع تفاصيل مثيرة للدهشة ليس من بينها التعليم. لدينا مشكلات فى التعليم تتوزع على المناهج وطرق التدريس وحجم ما يدرسه التلميذ وحجم ما لا يدرسه، وكيف يمكن اختبار درجة الاستيعاب والفهم والحفظ، وهى مشكلات يعرفها كل من يعمل بالتعليم أو يسعى لتعليم أبنائه.
بالطبع تطورت الدنيا وتقدمت طرق التعليم وأنظمة التدريس فى العالم مع توالد نظريات جديدة، وكل دولة فى العالم لديها نظام للتعليم، اليابان وبريطانيا وأمريكا وكوريا والصين وروسيا وألمانيا وسويسرا، كل منها تستند إلى نظريات وخبرات وتجارب، بينما لم نتوقف طوال عقود عن استهلاك وترديد الكثير من النظريات عن أفضل طرق التعليم، وفى كليات التربية يتداول المتخصصون الكثير من النظريات حول التعليم وأفضل طرق التلقين، وهل الأفضل الحفظ أم الفهم، وتدريس الرياضيات والعلوم واللغات.
وعندما نختار، فإننا نأخذ من كل تجربة قطعة، والنتيجة لدينا تراكمات وطبقات من التجارب أقرب للطبقات الجيولوجية، والنتيجة الطبيعية أن لدينا فى مصر العشرات من أنظمة التعليم الحكومى العادى، والتجريبى، والمعاهد القومية، والمتفوقين، وحاليا اليابانى الذى يدخل الخدمة، أما التعليم الخاص، لدينا الخاص العادى وبمصروفات متوسطة، ثم الخاص الأعلى، والبريطانى والأمريكى والإنترناشيونال والفرنسى، والخاص المميز، وشديد التميز، وواسع الطيف وعميق المناهج والخلطة السرية، والمصروفات بين خمسة إلى 300 ألف وأكثر فى السنة، وكل منها تقدم نفسها على أنها الأفضل والأكثر التزاما بالتعليم.
كل هذه الأنواع من التعليم ولدينا دروس خصوصية متسعة ومتشعبة ومتجذرة، وتبدو مستعصية على المواجهة، وفى نفس الوقت تقريبا أكثر من أربعة أخماس طلاب الثانوية العامة مثلا لا يذهبون للمدارس، وإنما للدروس والأوراق والملخصات، وهو نظام يعترف به الجميع من أوائل إلى أواخر الثانوية، أى أنهم يعترفون بأن الامتحان هو الغاية، وهناك فروق نسبية، لكن يظل التفوق من نصيب من يمكنهم التعامل مع هذه التشابكات والتجارب المتقاطعة، وتلتقى المدارس ذات الكثافات الأعلى مع نظيرتها ذات الكثافة المرتفعة من دون أن توجد نظرية ناجحة تتحدث عن ربط عدد التلاميذ بالفهم، والدليل أن من يشكون من وجود أربعين تلميذا فى الفصل يذهبون لمركز دروس خصوصية مع خمسين وربما 100 تلميذ، وهو أمر ينسف أى نظريات للتعليم والاستيعاب.
لا نريد أن نكون متشائمين، ونحن أمامنا تجارب كان التعليم فيها متقدما وخرج علماء وخبراء فى كل المجالات، وكان هذا فى زمن الكتاب والمريلة تيل نادية، والقلم الواحد، والكشكول الواحد، وما قبل اختراع «السبلايز» بعقود طويل، وربما يكون الحل فعلا فى إزالة تراكمات العصور السابقة من التجارب والاستمرار فى نظام مستقر لعدة سنوات، والعودة للمدارس وليس خارجها، ويفترض أن يكون التعليم أسهل فى ظل أدوات التكنولوجيا والاتصال، لكن بعد إزالة أثار التجارب المتراكمة، فالتعليم فى النهاية يعتمد على العقل والفهم والرأس والكراس وليس فقط «السبلايز واللانش باج».