حاول أن تسأل نفسك: ما الفرق بين الحقيقى والمزيف؟ الجميل حقا والمتجمل؟ الأصيل والمستعار؟ ثم تعالى معى لنتابع فى هذه السطور القليلة مثال حى على هذا.
فى الآونة الأخيرة انتشرت فى العديد من شوارع القاهرة مشاهد الحفر والردم، والسبب هو اعتزام الإدارة المحلية عمل «بلاعات مطر»، وهو أمر بلا شك «عظيم» لأننا نعانى سنويا من امتلاء الشوراع بالمياه كلما سقطة زخة من مطر، أو انفجرت ماسورة مياه، وفى معظم دول العالم توجد مثل هذه البلاعات التى تسهم فى تخفيف حد الفوضى التى تعقب سقوط الأمطار، لكن السؤال الآن هل ما نشاهده فى الشوارع من حفر وردم ودفن مواسير وتركيب أغطية سوف يؤدى حقا إلى النتيجة المرجوة؟ أشك.
شكى هنا ليس من قبيل التشاؤم، ولا يأتى بدافع اليأس، على العكس تماما، فإننى أرى أن مجرد التفكير فى إنشاء بلاعات للمطر أو تجديدها أمر إيجابى حقا، وهذا يعنى أننا بدأنا فى التفكير فيما يقى من الآثار السلبية للظواهر الطبيعية وهذه مرحلة مهمة من مراحل الوصول إلى الرفاهية التى تعقب الانتهاء من البنية التحتية، لكننى برغم هذا أرى أن هذا المشروع لن يؤدى إلى النتائج المرجوة، لسبب بسيط هو أن شوارعنا فى الأساس غير مؤهلة لاستقبال المطر، فالحفر منتشرة بها بشكل كبير، كما أن زاوية ميل الشوارع غير منضبطة على الإطلاق ولهذا سنجد أن المياه ستتجه يمينا، فى حين أن البلاعة على اليسار، وستتجه شمال إذا كانت البلاعة على اليمين، وليس ببعيد ألا تتجه لا لليمين ولا لليسار وترتكز فى المنتصف حتى لو وضعنا بلاعتين فى اليمين واليسار.
هنا أجيبك عن السؤال الذى طرحته فى بداية المقال، فالفرق بين الحقيقى والمزيف هو أن الحقيقى كل متناسق لا نفور فيه ولا غرابة، تقبله كله لأنه أصيل كله، جماله طبيعى، نسبة متناسقة لا اختلاف فيها ولا شذوذ، مقدماته تؤدى إلى نتائجه، كالبنيان المرصوص، أوله يوصلك إلى آخره، وآخره يخبرك بما كان فى أوله، وعلى هذا فبلاعات المطر التى تنوى السلطة التنفيذية إنشاءها فى الميادين والشوارع الرئيسية ليست أكثر من شعر مستعار لامرأة صلعاء، تجسد من ضمن ما تجسد حالة غبية من إهدار المال العام، لأنه كان محتما أن تدرس الحكومة هذا القرار قبل البدء فيه، وأن تستعين بالخبراء والمهندسين الذين سيطلبون من قبل ضبط زوايا ميل الشوارع وسد الحفر والنقر والقطوعات التى تمتلأ بها شوارعنا، وقبل كل هذا سيطالبون بعمل آلية تضمن تنظيف هذه البلوعات بشكل دور، لكى لا نتكلف كل هذه التكلفة، وفى النهاية نجد أن البلاعات مسدودة فى وقت الحاجة.