الدواء المر للإصلاح الاقتصادى لا يجب أن يكون من نصيب الشعب وحده، بل من الضرورى أن نتجرعه جميعا، حكومة وأهالى، مواطنين ومسؤولين، وأن نتشارك فى تحمل أى أعباء إضافية تنتج عن إجراءات الإصلاح الطارئة، حتى إذا حدثت الانفراجة، ونتمنى أن تحدث قريبا، نكون جميعنا قد أسهمنا فى دفع بلدنا بالعمل والصبر والاجتهاد إلى الأمام، حيث ينبغى أن تكون.
وفى هذا السياق لابد وأن نحيى البرلمان على قانون معاشات الوزراء والمسؤولين الذى لحق بدور الانعقاد الثالث، وأدى إقراره إلى الهبوط بمعاشات الوزراء والمسؤولين بالدولة من 80% من آخر أجر إلى 25% فقط، وهو تغير جوهرى يوفر مئات الملايين من الجنيهات للخزانة العامة، بالإضافة إلى تخفيض عدد العاملين بالبرلمان من 3300 عامل وإدارى إلى نحو 2700 عامل وإدارى، يما ينعكس إيجابا على ترشيد ميزانية البرلمان التى تذهب فى معظمها إلى بند الأجور والمكافآت.
يضاف إلى الإجراءات التى اتخذها البرلمان التوجه العام بتقليل عدد المستشارين فى الشركات والمؤسسات الحكومية والوزارات، وبند المستشارين هذا نعرف جميعا أنه يلتهم رقما كبيرا، وأن الاستغناء عن الأغلبية العظمى من المستشارين لن يعوق عمل الحكومة فى شىء، كما أنه سينعكس بالإيجاب على الموازنة العامة، وكذلك الاستغناء عن عدد كبير من السيارات المخصصة للمسؤولين والوزراء وكذا السيارات المخصصة لتأمين الوزراء والمسؤولين، فالواقع يشهد أن الحالة الأمنية الجيدة وانعدام الأخطار فى القاهرة والمحافظات سيدفع كثيرا من المسؤولين للاستفناء عن سيارات الحماية ومجموعات التأمين بتكلفتها الإضافية، وإذا أضفنا إلى الإجراءات السابقة عملية إعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال العام والنظر فى مصير الشركات الخاسرة منها، بهدف التحول إلى الربح، تكون الحكومة قد رشدت الكثير من نفقاتها التى تبدو أجورا وميزانيات للعاملين بالدولة بينما الحقيقة أنها أعراض لخلل إدارى وغياب للرؤية فيما يتعلق بإدارة الأصول والموارد، ولكم أن تعلموا أن الوضع فى شركات قطاع الأعمال كان بعد أحداث يناير 2011 أشبه بالورم المتروك بلا علاج، خسائر بالجملة وتعديات على الأصول وموظفون لا يتطورون ولا ينتجون وإدارة ترى الحل فى تسريح العمالة لتقليل الخسائر أو بيع الأصول بالتدريج للإنفاق على الرواتب أو الإغلاق وإكرام الميت بالإسراع فى دفنه وسجلت الخسائر السنوية مئات الملايين من الجنيهات، كما بلغت أعباء تلك الشركات من أجور وحوافز نحو 13 مليار جنيه.
وإذا علمنا أن عجز الموازنة خلال العام الحالى يبلغ 425 مليار جنيه، تدبرها الحكومة بالاستدانة من خلال طرح سندات الخزانة العامة داخليا وخارجيا، لابد وأن نعلم ونعمل انطلاقا من إجراءات تقشف صارمة لا تعرف أى تزيد فى المصروفات أو ترف فى الإنفاق أو الإبقاء على من لا ينفذ السياسات الموضوعة أو يتسبب فى الخسارة أو حتى لا يدير موارد وأصول الدولة لتحقيق أرباح تضاعفها وتفتح آفاق جديدة للتنمية، فقد ظللنا سنوات مثلا نقبل بمجالس إدارات لشركات قطاع الأعمال تحقق خسائر وتطالب الحكومة بالإنفاق على رواتب موظفيها وعمالها ومنحهم المكافآت والحوافز المفترض أنها تصرف للمتميزين الذين يحققون أرباحا، ومع ذلك أبقينا على مجالس الإدارات هذه سنوات طويلة حتى تحول مفهوم العمل فى قطاعات الدولة إلى مجرد الحضور والانصراف وأحيانا عدم الحضور مع المطالبة بكل الحقوق.
هذا المنطق يجب نسفه من الأساس ومفهوم ترشيد الإنفاق الحكومى، لا يجب أن يبدأ وينتهى بتقليل رواتب المسؤولين وسحب سياراتهم فقط، بل يجب أن يشمل كل عمليات الإنفاق والتحول من مفهوم قبول الخسارة بهدف رعاية العاملين والموظفين إلى إطلاق الطاقات لاختيار أفضل القيادات التى تحقق طفرات فى الإنتاج، ومن ثم تسد الفجوة الكبيرة فى عجز الموازنة الحالى.