المنافسة جاءت هذه المرة فى التاكسى، الذى أفاق سائقوه على كيان يصعب عليهم منافسته، ونقصد شركات أوبر وكريم، التى تنقل بسيارات أحدث وخدمة أفضل وبسعر واضح، قد يقل عن العدادات المجنونة.
أصحاب التاكسى كانوا ينفردون بالسوق، ويفرضون شروطهم ولا منافس لهم، وبالتالى الأمر مفتوح لهم بلا معقب، لكن ظهور المنافس غير حساباتهم، ولهذا حاولوا من البداية خوض المعركة بطريق خاطئ، حرضوا ضد المنافسين، وأشاعوا أنها بلا تراخيص، ولا تدفع ضرائب، لم يفكروا فى إصلاح العيوب والسلوكيات الخاطئة، من رفضهم ركوب الزبون قبل معرفة وجهته، وعدم تشغيل العداد، والتلاعب فى العداد ومضاعفة الأجرة.
نفس المعركة وقعت قبل سنوات فى سوق البقالة، مع المحلات والسوبر ماركت التقليدى الذى فوجئ بظهور سلاسل المحلات، التى تبيع بسعر الجملة، وتقدم عروضا وتخفض الأسعار كثيرا، وسحبت نسبة كبيرة من زبائن المحلات التقليدية، واضطرت بعضها لتقليد السلاسل، وتخفيض الأسعار أو عمل عروض، ومن تبقى ما زال يحاول الصمود أو يبيع للمضطرين والمجبورين، وكشفت فروق الأسعار عن حالة استغلال كبرى.
ونتذكر أنه عندما جاءت سلسلة سينسيبرى البريطانية إلى مصر، واجهها التجار بالشائعات، وقالوا إنها تدعم إسرائيل، ومارسوا كل أنواع الحروب، وحرضوا مواطنين على تحطيمها ورجمها بالحجارة، واضطرت للرحيل لكن ظهرت غيرها برأسمال أكبر وتحالفات أوسع.
المنافسة هى كلمة السر فى اقتصاد السوق، لكن عندنا اقتصاد سوق يحتكر ولا يفكر فى المنافسة، ولا توجد قوانين لتنظيم هذا الأمر، فتمشى الكثير من الأمور بالفهلوة والدراع، لا توجد حقوق للمستهلك، وتم اختراع قاعدة «البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل»، وهى قاعدة غير موجودة فى أى دولة بالعالم، ومن حق الزبون إعادة ما اشتراه خلال خمسة عشر يوما، ولو وجد فيه عيب يحق له إرجاعه، ولا يحتاج الأمر إلى الاتصال بحماية المستهلك، عندنا حماية المستهلك لا تزال بسيطة، ولا يوجد الكثير من الحقوق للزبائن.
المنافسة هى سر نجاح اقتصاد السوق، وبالمناسبة، فإن اتفاقيات التجارة العالمية تتيح عولمة الخدمات، بحيث يمكن أن تقوم مستشفيات أو خدمات نقل أو غيره، ما دامت تلتزم بقوانين الدولة، وكانت أوبر وكريم هى الخطوة الظاهرة، والمقاومة والرفض لن تجدى كثيرا، وإن نجحت هذه المرة لن تنجح المرات القادمة، لأن هذه الشركات نجحت حتى فى الدول التى ليس فيها جنون التاكسى والعداد، ثم إن الزبون يبحث عن الأجود والأرخص، ومن هنا فإن ظهور أى خدمات حديثة، من شأنه أن يطيح بالفهلوة والاستهبال.