يعرف الجمع أن الحضارة تراكمية، وأن الماضى حلقة مهمة وضرورية فى صناعة الحاضر، وأن الأساس فى صناعة الحضارة هو الإنسان، والإنسان المصرى منذ الأزل صانع للحضارات ولا يزال مستمرا وقادرا على ذلك خاصة فى الإبداع وفنونه المختلفة.
لذا فإن التوثيق لحياة المبدعين وما فعلوه وقاموا به ليس رفاهية نقوم بها لتضييع الوقت أو التفاخر بالماضى، بل حافز قوى على الاستمرارية، وعامل أساسى كى يواصل الجميع دورهم وإبداعهم، ومن الأشياء الجيدة التى قدمها جهاز التنسيق الحضارى مؤخرا مشروع «عاش هنا» وفكرته ببساطة هى وضع لافتة على البيوت التى عاش فيها كبار مبدعى مصر ومثقفيها ورجالها، هذه اللافتة تحتوى برنامجا إلكترونيا معينا يمكن من خلاله معرفة كل المعلومات اللازمة عن الشخص.
واستطاع جهاز التنسيق الحضارى أن ينتهى حتى الآن من عدد لا بأس به من اللافتات، كما قامت الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، منذ أيام قليلة، بإطلاقه بشكل رسمى، المهم أن الجهاز لا يزال يواصل هذا المشروع المهم، لكن الملاحظ حتى الآن أن هذا المشروع لم يتجاوز القاهرة وربما وصل إلى الجيزة لكن ليس بالكثافة نفسها، وطبعا لا نريده أن يقتصر على هذين المكانين المهمين فقط، بل على الجهاز أن يحوله إلى مشروع قومى ينتشر فى كل محافظات مصر، لأنه ولله الحمد لا تخلو محافظة مصرية من صانعى الحضارة المصرية قديما وحديثا، وكلهم يستحقون أن يكونوا فى مشروع «عاش هنا».
وأتمنى أن توضع اللافتات فى أماكن ظاهرة على المبانى لا أن تتوارى خلف شجرة أو بجانب صندوق مفاتيح، وأن يكون حجمها كبيرا بعض الشىء حتى تلفت الانتباه، وبالتالى نتمنى أن تكون هى اللوحة الأساسية للشارع لو أمكن ذلك، فيحمل الشارع اسم الكاتب أو الشخصية التاريخية التى عاشت هنا.
وعلى حد علمى، هناك مشروع آخر يعمل عليه جهاز التنسيق الحضارى هو «حكاية شارع» وهذا المرة سيكون البحث عن الحضارة الجغرافية والتاريخية للمكان وهى لا تقل أهمية عن الأشخاص، خاصة فى بلد عريق مثل مصر والتى تحمل كل شوارعها حكايات وحكايات.
نعم التوثيق سوف يصنع الكثير من الفخر، وسيدفع الآخرين للتساؤل والبحث عن المعرفة، ويتحول إلى حافز قوى لطفل لم يكن يتخيل أن نجيب محفوظ كان جاره أو أن يوسف إدريس كان يمر من هذا الشارع.