دروس التاريخ تُصر علي أن التعليم أولاً؛ إذ أن لا شيء قدر التعليم يمكن أن يصعد بجهود التنمية إلي ملاقاة طموحات الشعوب المشروعة في حياة أفضل، تملؤها الرفاهية.
فعلتها من قبلنا تجارب دولية مشهودة، حققت نجاحات مُبهرة، لعل أبرزها النهضة التعليمية المذهلة التي حققتها سنغافورة، حتى بات تعليمها علي رأس نظم التعليم في العالم. فقد طورت هذه الجزيرة الصغيرة نظاماً تعليمياً يُعد من أرقي نظم التعليم في العالم. الأمر الذي مكنها من توفير كفاءات متميزة جداً أخذت بيد الدولة، الفقيرة جداً في مواردها الطبيعية، إلي تحقيق نمو اقتصادي هائل، شكل ثورة تنموية بالفعل.
وقد عمدت إستراتيجية التعليم في سنغافورة إلي اعتبار المهمة الأساسية للتربية والتعليم هي بناء الإنسان السنغافوري، فأصبح عنصراً فعالاً في صناعة مستقبل مُشرق لبلده. وفي سبيل ذلك كان الاهتمام باكتشاف المواهب وصقلها، وتنمية قدراتهم، إلي جانب تهيئة بنية أساسية داعمة لكل خطط التطوير.
واليوم، ونحن نفتتح عاماً دراسياً جديداً، يشكل قفزة واسعة إلي الأمام في التعليم. أود الإشارة إلي عدة ملاحظات، مستوحاة من تجارب فريدة في التعليم باتت تمثل دروساً لا ينبغي إهمالها. وعلينا أن نتأكد أن نجاحنا في تطوير التعليم لا يمكن حصر مسئوليته في الوزير الدكتور طارق شوقي، ولا في طراف العملية التعليمية فحسب. بل هي مسئولية مجتمعية مشتركة تحتاج فكر جديد من الجميع. أراه يتسق مع الملاحظات التالية:
لا شك أن صعوبات سنواجهها، تمويلية وإدارية واجتماعية، علينا مواجهتها بمزيد من الإصرار علي نجاح التجربة. ولتهدأ معاول الهدم، ولتترفق ببلدنا وهو يسعي إلي معالجة أكبر مشكلاته. ومن ثم ليتنا نُخرج عملية تطوير التعليم من دوائر المزايدة، وتسوية الحسابات، وتصفية مواقف قديمة. فنجاحنا، كما قلت، لن يُسجل للوزير ورفاقه، بل للمجتمع المصري. إذ لم تنجح سنغافورة، وغيرها من الدول التي طورت نظماً تعليمية راقية، كفنلندا وكوريا الجنوبية...، إلا باعتبارها التعليم مسئولية مجتمعية، كما أنه عملية بناء للإنسان ذاته.
التطوير عملية مستمرة لا تتوقف؛ فإذا ما توقفت ارتدت سريعاً إلي الخلف. وعليه، فعمل جاد لا ينقطع نبذله بإخلاص وأمانة، وعلم ودراسة، لمواكبة كل جديد في تطوير التعليم؛ إذ لم يعد خافياً أن دولاً عديدة اتجهت إلي تطوير التعليم، وأضافت من خصوصيتها الكثير، ولم يكن لتطوير التعليم لديها منافس في قمة أجندتها الوطنية.
أدعوا كافة رجال الأعمال، وكافة أصحاب القدرات المالية، علي تخصيص نسبة 50% من أعمالهم الخيرية لمدة خمس سنوات، للعملية التعليمية، وفق متطلبات عملية التطوير.وعلي الأحزاب أن تقدم مبادرات حيوية في هذا الشأن.
سبق وأن تحايلت الحكومة، طبعاً لضيق ذات اليد، علي تخصيص النسبة التي نص عليها الدستور؛ إذ جاء في المادة 19 من الدستور: "تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية". واليوم أدعو الحكومة إلي تجاوز نسبة ال 4% لأننا أمام مرحلة فارقة في عملية بناء الإنسان، الفشل فيها سيجرنا إلي الخلف كثيراً.
ما زال التعليم الجامعي ينتظر ثورة مماثلة، تدفع به إلي مراتب أفضل في التصنيفات العالمية للجامعات، وتنحاز للبحث العلمي المتميز. إذ نخسر كثيراً لو أن تطويراً حقيقياً أنجزناه في التعليم ما قبل الجامعي، لنسلم بعده الطالب إلي فكر قديم لطالما اعتمد علي التلقين والحفظ، استناداً إلي أننا بلد شهادات.
وبالمناسبة، سعدت كثيراً لما سمعته من أن فضيلة شيخ الأزهر أعلن رغبته في تطوير التعليم الأزهرى بما يتفق وخطط التطوير التي تقودها وزارة التربية والتعليم. وهو أمر أراه يحقق المزيد علي طريق بناء الإنسان، لأنه بالقطع سيتناول تجديد الخطاب الديني.
هلي يأتي اليوم الذي تنقل عنا العديد من الدول تجربة مصرية فريدة في تطوير التعليم؟. قدر ما نبذل من الجهد الوطني المخلص، تكون الإجابة.