يتميز شعب مصر العظيم بعدم الاعتراف بمقولة «لا يفتى ومالك فى المدينة»، لذلك نجد فى مصرنا الحبيبة حوالى ٩٠ مليون «مالك» له ملكة الفهم فى كل شىء وكل مجال، وتكفينا جلسة واحدة حول جهاز التليفزيون مع أى مجموعة من المشاهدين لمباراة كرة القدم فنستمع فيها لعشرات الآراء وشروحات لخطط اللعب المختلفة، ثم النقد البناء والهدام، مع صب بعض اللعنات والسباب للاعب والمدرب، ثم الحكم، مرورا بالمذيع الذى لا يعجب ولا يرضى الجميع، وأخيرا بقية لعنات وشتائم، إن وجدت، للفاصل الإعلانى!!! ونعرج على عسكرى المرور بالطريق العام فلا ولم لن تجد إطلاقا من يعتذر عن إجابتك وإرشادك لمقصدك، فيسرح ببصره قليلا كأنما ينتظر الوحى ليهبط عليه ثم يشير لسيادتك بيده نحو الطريق الذى يجب أن تسلك فيه، وبالطبع النية سليمة جدا لديه، فهو يرغب فى إرشادك لمكان آخر وطريق آخر تتعرف عليه حتى يرشدك الرب لطريقك المنشود، وهذا هو الواقع المؤلم لعلاقة السياسة بالكنيسة والذى شهد فى العصور الحديثة تطورا سريعا نتيجة المتغيرات السياسية وهو ما دفع البابا شنودة الثالث لتلخيص هذه المشكلة بقوله: إذا تحدثت فى السياسة يهاجمنى البعض قائلين ما شأن الكنيسة بالسياسة وبأن البابا يترك الكنيسة ويدس أنفه فى الشؤون السياسية، ولو أحجمت عن إبداء الرأى يتهموننى أيضا بالسلبية وعدم الاكتراث بشؤون الدولة، ولكى ندرك تعليمات الرب للكنيسة نفتح كتابنا المقدس فنجد أحيانا السيد المسيح ينتقد الدولة والحكام، فنقرأ مثلا فى إنجيل متى إصحاح ١٧ بطرس الرسول يشكو للسيد المسيح من جابى الضرائب يطالب بضريية مالية قبل دخولهما مدينة كفرناحوم واستنكر السيد المسيح هذا الموقف «الحكومى الخاطئ» معلنا أنهما من المواطنين اليهود بينما الضريبة تفرض على الأجانب، ولكن.... رغم هذا الضيق والاحتجاج اللفظى أمره السيد المسيح بدفع الضريبة حتى لا تحدث مشكلة مع الحكام.. ونصل إلى موقف آخر عندما أحضروا للسيد المسيح دينارا معدنيا وسألوه هل يجوز دفع الجزية للوالى قيصر؟ وأجاب بحكمته المعهودة مشيرا لصورة قيصر وكتابة الدولة قائلا أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله... ثم نصل إلى إجراءات محاكمة السيد المسيح والتى تمت بأسلوب غير إنسانى يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق المواطنة والإنسان، فيتقبل الإهانات بصدر رحب، ولكن... هذا ما يتناساه البعض، لأن السيد المسيح فى عظة سابقة قال للشعب «من لطمك على خدك الأيمن حول له الآخر»، ولكن وياللعجب نجده أثناء المحاكمة يتلقى لطمة قاسية من خادم وعبد رئيس الكهنة، والمدهش أنه لم يحول له الخد الآخر، بل اعترض بهدوء وقال له «إن كنت قد تكلمت رديئا فاشهد على الردىء، وإن حسنًا فلماذا تضربنى؟» يو١٨، وهذا هو الموقف الإنجيلى والكنسى الذى كان والذى يجب أن يكون بوضوح وصراحة، فعندما يحدث التجاوز والتقصير من الدولة علينا أن نتشبه بالسيد المسيح، لأن الإنجيل أمرنا بالسير على منواله، فهو لم يصمت على الظلم، بل تكلم ولكن فى هدوء شديد وبلا ضجة أو انفعال أو ارتكاب شر أو شبه الشر، لأن الإنجيل يأمرنا بصراحة ووضوح فى رسالة بطرس الأولى «اخضعوا لكل ترتيب بشرى من أجل الرب إن كان لملك فكمن هو فوق الكل»، وكذلك بولس الرسول يقول «رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا».
أتمنى وصول الهدف من هذا المقال الصغير للبعض: من يلطم «بفتحة على الياء وكسر الطاء».... ولمن يلطم «بضمة على الياء وفتحة على الطاء»... ولمن سيلطم خدوده بعد كتابة وقراءة المقال...«اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك»..