حينما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية فى يونيو من عام ٢٠١٤، لم تكن مصر تمر بظروف طبيعية، كانت تعانى من اضطراب من خلال ضغوط وانتقادات دولية طالت مصر منذ الإطاحة بحكم الإخوان الفاشيست، وكنا نعانى دوليا من أطراف عديدة لم تتفهم الوضع على حقيقته وبعضها كان متحفظا فى التعامل مع الدولة الوليدة، فضلاً عن حرب كانت تقودها ضدنا أطراف عديدة أبرزها قطر وتركيا بأدوات ودعم مادى ومنابر إعلامية وضغوط سياسية، فضلاً عن أمننا القومى المهدد على طول حدود الدولة وعلى كل الاتجاهات.
وداخليا كنا نعانى من اضطرابات افتعلتها الجماعة الإرهابية مع انتشار الإرهاب واستهدافه المستمر لنقاط تمركز الشرطة والجيش فى شبه جزيرة سيناء، ولاحقا باستهدافه وقتل المواطنين على الهوية، كل هذا كان له تأثير شديد الضرر على الدور الإقليمى والدولى المصرى الذى كان مرشحاً لمزيد من التراجع، لولا التعامل بحكمة مع كل ملف على حدة، وبدأت الدولة المصرية تتنفس الصعداء بفضل جولات الرئيس الخارجية والتى كان هدفها فى البداية شرح ما يحدث فى مصر، وبعد أن تفهم العالم ما حدث فى مصر بدأت هذه الجولات تتم لصالح التنمية المستدامة فى مصر كخطوة تالية أتت بعد الثقة التى أولاها قادة العالم فى الرئيس عبدالفتاح السيسى.
هذا غير المحاولات تلو المحاولات من دول كثيرة، كبيرة وصغيرة، لملء الفراغ الذى كان تركته مصر لفترة بفعل ما حدث مدى سنوات، لكنها لم تنجح لأن دور مصر قوى بفعل عوامل كثيرة لا تمتلكها هذه الدول مثل التاريخ والجغرافيا وغيرها من العوامل التى يعلمها الرئيس الذى استخدم كل الوسائل لإعادة الدور المصرى المفقود، والذى كان يمثل درة التاج فى العلاقات الدولية، فمصر لا تستطيع أى دولة أخرى ملء الفراغ الذى كان موجوداً بفعل حالة عدم الاتزان التى مرت بها مصر، فاستطاع السيسى تحويل القيود التى كانت موجودة إلى مكاسب، ليس مجرد التغلب عليها ولكن استغلالها لكسب موقف ومساحات جديدة فى الشأن الدولى والإقليمى.
نجح الرئيس فى تحويل الإرهاب من سيف مسلط على الدور المصرى الخارجى إلى أداة استغلتها مصر لفرض رؤيتها الإقليمية وطرح نفسها باعتبارها مركزاً لمحاربة الإرهاب فى منطقة الشرق الأوسط بل وإقناع القوى الغربية والإقليمية بالأجندة السياسية المصرية بعد أن استطاعت مصر أن تبدأ هى الحرب نيابة عن العالم، وأصبح لدى العالم قناعة حقيقية أن دور مصر فى مواجهة الإرهاب فى المنطقة لا يمكن الاستغناء عنه، وأصبحت القاهرة هى محور التنسيق لهذه المواجهات، بل ونجحت مصر فى إعادة رسم سياسات المنطقة بالكامل والعودة وبقوة إلى القضية الفلسطينية بعد أن تراجعت فى محور اهتمام القوى الإقليمية خلال السنوات السبع الماضية، ورغم كل المزايدات الفارغة التى تأتى من بعض الأطراف العربية التى تورطت هى نفسها فى محاولة التقرب سراً من الجانب الإسرائيلى.
فالتحركات المصرية على المستويين الإٍقليمى والدولى مع محاولات إعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط من قبل القوى الدولية، ودعم بعض القوى الداخلية والإقليمية، تتحرك مصر بمجموعة من الثوابت المهمة التى تحكم السياسة الخارجية المصرية، تتمثل فى ضبط النفس عند الأزمات ودعم الدولة القومية، ورفض الأحلاف العسكرية الدولية مع تدعيم العلاقات التعاونية على المستويين الإٍقليمى والدولى، وعدم الانزلاق فى حروب أهلية طائفية وأيديولوجية، والحرص على عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول وهو ما حرص الرئيس على شرحه أكثر من مرة فى مواقف وأزمات مختلفة، وثبت صدق حديث الرئيس للأعداء قبل الأصدقاء، وهو ما كان بمثابة «كلمة شرف» أعطاها الرئيس لهذه الدول التى كانت على خلاف معنا أصبحت الآن شريكة لمصر وتم بناء ثقه بيننا.
كانت مصر فى سياستها الخارجية تتبع نهجاً سياسياً إما شرقياً أو غربياً، وكانت تتحمل خسائر كبيرة جراء هذا النهج، لكن التحدى القائم حاليا تلخص فى القدرة على بلورة رؤية سياسية وانتهاج استراتيجية واضحة تعكس مسار التحرك المصرى وسط غابة الملفات المتشابكة والمتشعبة بأطرافها وقضاياها، وكيف تسير مصر وسط هذه الخريطة من الصراعات والتنافسات المرتبطة بإعادة توازنات القوى فى منطقة الشرق الأوسط.
تمتلك مصر جهازاً دبلوماسياً عريقاً له خبرته وكفاءته العالية واستفاد الرئيس منه بحيث استطاع أن يكثف لقاءاته مع قادة العالم شرقاً وغرباً، وزار من الدول ما لم يزرها رئيس مصرى من قبل، هذا النشاط يكشف عن أنه لا توجد مشكلة من حيث القدرة على الحركة الخارجية، فالتحرك الآن يخدم المصالح الاستراتيجية للدولة المصرية خلال الفترة المقبلة، دون تقديم تنازلات بتعاون قائم على الشراكة وليس غيرها ما يمثل تحديًا حقيقيًا.
وأعتقد أن السياسة الخارجية المصرية تبدأ عهداً جديداً تتحدث فيه ليس بلسان مصر فقط بل بلسان عربى وأفريقى أيضاً بعد أن عادت مصر لعروبتها ولقارتها فظهر التقارب المصرى مع أفريقيا فى هذه المرحلة وهو محور الحركة السياسية الخارجية المصرية، فقد احتلت القارة بوجه عام، وإقليمى حوض النيل وشرق أفريقيا بوجه خاص، فبات لأفريقيا وزن يكاد يكون مركزياً فى أولويات الدولة المصرية، مع وجود الرئيس السيسى يعد أهم عوامل هذا التقارب فضلاً عن طبيعة التهديدات المشتركة التى تواجهها القارة بعد غياب مصرى طويل عن التفاعل مع النخب الأفريقية الحاكمة الأمر الذى خلق فجوة فى الإدراك والفهم بين الطرفين.
أما على الصعيد العالمى فتتفاعل مصر مع القوى الكبرى أمريكا والصين وروسيا تبنى تحالفات قائمة على الشراكة بين كل هذه القوى وحتى لو كانت هذه القوى متنافسة أو متصارعة فالمعروف للكل الآن أن مصر أصبحت تتميز سياستها الخارجية بعدم الانزلاق فى أحلاف ضد أحلاف بل تعتمد على التنمية وما يحقق مصالحها الوطنية والمصالح العربية والأفريقية، وكان أكبر دليل على ذلك ما قام به الرئيس من نشاط فى زيارته الأخيرة للأمم المتحدة ومن القمم التى شارك فيها سواء قمم ثنائية أو قمم جماعية، وهو ما يجعلنا نشعر بالفخر بما وصلت إليه بلدنا فى قيادتها للمنطقة وللقارة، وهو ما أتى بعد أن عرف العالم وفهم كلمة «الشرف» التى أعطاها الرئيس لمصر أولاً بأنه حريص على استقرارها وتحقيق الأمن فيها وهى نفس الكلمة التى وصلت من الرئيس للعالم كله.