كيف يتبنى أحد الرهبان المتبتلين العنف ضد الدولة والكنيسة والمجتمع؟ كيف يتحول من راهب متعبد فى الصحراء إلى زعيم ميليشيا مسلحة يحطم ويحرق ويتحدى القانون وأوامر البابا وسلطة الدولة وقرارات الحكومة؟ وكيف يتصور أنه قادر على تحدى الدولة والكنيسة وممارسة أعمال العنف والشغب واصطناع أزمة ثم النجاة بفعلته؟
عن الراهب المدعو بولس المقارى، وعن أزمة دير الأنبا مكاريوس السكندرى بوادى الريان بالفيوم، المعروف بالدير المنحوت أتحدث، فالدير الذى تم بناؤه على أراض ملك الدولة وبالمخالفة للقانون، يعترض الأعمال الإنشائية لطريق الواحات الفيوم الجديد، بعد أن بنى رهبان الدير سورا بطول 15 كيلومترا حول منطقة واحة العيون، ورغم ذلك سعت الجهات التنفيذية، ممثلة فى محافظ الفيوم، وإبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية، والشركات المنفذة للطريق، إلى التفاوض مع الرهبان، وأعلن إبراهيم محلب عن عدم تنفيذ مشروع الطريق إلا بعد الاتفاق مع رهبان الدير، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتقنين أوضاعهم.
ومن جانبه، أصدر البابا تواضروس الثانى تعليمات مشددة بضرورة إنهاء الأزمة، وشق الطريق مع مراعاة متطلبات الرهبان، وكلف الأنبا أرميا الأسقف العام بحل المشكلة فى أسرع وقت وترضية الرهبان، وبالفعل عقد الأنبا إرميا عدة لقاءات مع رهبان الدير، انتهت بموافقة الأغلبية الساحقة منهم على استكمال أعمال الطريق، الذى يمر وسط مبانٍ بناها الرهبان مع الحفاظ على ممتلكاتهم، وبناء سور على جانبى الطريق حول المبانى، بالإضافة إلى إنشاء نفق تحت الطريق لربط مبانى الدير ومزرعته بعضها ببعض، مع العمل على تقنين وضع الدير بعد الانتهاء من الطريق.
ولكن عندما بدأ المحافظ والشركات المنفذة استئناف الأعمال الإنشائية فى الطريق، الذى يقتضى هدم جزء من السور حول منطقة وادى العيون، تحرك الراهب بولس المقارى ومعه عدد من طلاب الرهبنة، الذين ينفذون أوامره حرفيا، وأحرقوا معدات الشركة المنفذة، واشتبكوا مع العمال بالأسلحة البيضاء، كما أعلن بولس المقارى أن تنفيذ الطريق لن يتم إلا على جثث الرهبان، الأمر الذى أشعل أزمة كبيرة، ليس مع الجهات التنفيذية فقط، ولكن مع الكنيسة أيضا، فما الذى يهدف إليه الراهب بولس المقارى بالضبط؟!
طريق الواحات الفيوم، سيتم استكماله شاء الراهب بولس المقارى أم أبى، وسواء ألقى بطلاب الرهبنة الذين يطيعونه طاعة عمياء فى البحر أو فى النار أو فى الصدام مع الأجهزة التنفيذية، لن تسرى أوامره على المجتمع بأسره وعلى أجهزة الدولة، رغم مخالفته للقانون وتعديه على أراضٍ هى ملكية عامة، ولذلك أطالب البابا تواضروس بالتحفظ على الراهب بولس المقارى فى دير آخر غير دير الأنبا مكاريوس السكندرى، لأنه سبب الأزمة والعقبة أمام حلها.
لا نريد الحل على طريقة الأجهزة التنفيذية التى يمكنها التحرك وهدم السور المخالف حول منطقة واحة العيون بكامله، خلال ساعتين من الزمن، أو التحرك للقبض على الراهب بولس المقارى ومحاكمته على الجرائم التى ارتكبها هو ومجموعة طلبة الرهبنة المشاغبين المنفذين لأوامره، ولكننا نريد تنفيذ الحل الذى أقره الأنبا إرميا الأسقف العام، ووافق عليه أغلب الرهبان، خاصة أن الدير سيتم تقنين أوضاعه فور الانتهاء من إنشاء الطريق، فهل يتدخل البابا تواضروس لإنهاء الأزمة المفتعلة، ولجم راهب العنف قبل أن تتحرك الأجهزة التنفيذية لتطبيق القانون؟!