بعد تصريح سيرجى ريفكوف، نائب وزير الخارجية الروسى، بشأن إمكانية قيام دولة فيدرالية فى سوريا كحل لإنهاء الحرب، ودعوته الأطراف المشاركة فى المفاوضات إلى فحص فكرة إقامة النظام الفيدرالى على مائدة المفاوضات، تتباين ردود الفعل من قبل القوى السورية، بين من يرفضها باعتبارها مقدمة للتقسيم، ومن يؤيدها باعتبارها صيغة مناسبة لإدارة البلاد فى المرحلة الجديدة، وتتجدد مخاوف تركية إيرانية من الفيدرالية فى سوريا، خوفًا من تداعياتها المستقبلية على البلدين، رغم أنهما قبلا بالفيدرالية فى العراق كأمر واقع عام 2003.
ويختلف مفهوم الفيدرالية من منطقه إلى أخرى كنظام ومفهوم وطبيعة، وهذا ما يثير الجدل أكثر، فالفيدرالية بالنسبة لمنطقتنا تبدو فكرة غربية وغريبة، حيث ينظر كثيرون إليها كمدخل أمريكى إسرائيلى لتقسيم المنطقة وتفتيتها، فيما يرى المؤيدون لها أن ثمة جهلًا بالفيدرالية كمفهوم وإدارة، وأسلوب حكم وتنمية، وحل للمشكلات القومية والإدارية فى دول متعددة القوميات والطوائف، وكان أول من طرح مفهوم الفيدرالية لحل مشاكل العراق مركز ابن خلدون عام 1994.
الغريب فى قصة طرح الفيدرالية فى سوريا، هو أنها لم تأت من واشنطن وإنما من موسكو، وتؤكد مصادر روسية أن هناك اتفاقًا سريًا بين الجانبين الأمريكى والروسى بشأن طرح الفيدرالية، خاصة أن تصريح سيرجى ريفكوف جاء متناغمًا مع تصريح وزير الخارجية جون كيرى عن احتمال تقسيم سوريا، وطرحها على مباحثات التسوية فى جنيف للبحث عن صيغة لمرحلة انتقالية.
الصحافة الروسية ترى أن الفيدرالية فى سوريا مفيدة لأنها ستمنع قيام حكم «سنى» قوى يقف فى المواقع المناهضة لمصالح روسيا المستقبلية، وترسيخ إقليم كردى يحقق فوائد استراتيجية لروسيا، أهمها قطع التواصل الجغرافى بين تركيا والعالم العربى، تحقيقًا للهدف السابق، وكذلك منع إمكانية مد خطوط الغاز العربية عبر الأراضى التركية إلى أوروبا، أى أن المقاربة الروسية نابعة من تخطيط استراتيجى مسبق، وتنطلق من أسس جيوسياسية.
الواقع أن التأييد الكردى للفيدرالية بدا على ثلاثة مستويات، مستوى المجلس الوطنى الكردى الذى رحب بالفكرة بعد أن كان العديد من أحزابه قد طرح الفيدرالية فى عام 2006، ومستوى تأييد حكومة إقليم كردستان، حيث أصدر رئيس الإقليم مسعود البرزانى بيانًا أعلن فيه تأييده لإقامة حكم فيدرالى فى سوريا، على غرار تجربة إقليم كردستان من خلال دستور جديد يقر بذلك، ومستوى الإدارة الذاتية، وحزب الاتحاد الديمقراطى، وحركة المجتمع الديمقراطى، لكن هناك قناعة تركية إيرانية تتعزز يومًا بعد آخر بأن الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا سرًا على تقسيم المنطقة، وهو ما يعنى- حسب البلدين- إقامة إقليم كردى فى شمال شرق سوريا، على غرار ما جرى لإقليم كردستان العراق.
ومع هذه القناعة يرى البلدان أنهما سيكونان الأكثر تضررًا، على اعتبار أن فى البلدين أكبر كتلة بشرية من الكرد «تركيا قرابة 20 مليون نسمة، وإيران نحو 8 ملايين نسمة»، ومن المتوقع أن يطالب هؤلاء فى النهاية بحقوق مماثلة لأبناء جلدتهم فى سوريا والعراق، وربما بدولة قومية مستقلة فى قادم الأيام، وعليه جاءت التصريحات المتطابقة لأوغلو والرئيس حسن روحانى بخصوص وحدة الرؤية لجهة رفض الفيدرالية، بل وجدنا للمرة الأولى انتقادات إيرانية علنية لسياسة الحليف الروسى فى سوريا، ولعل ما قد يدفع البلدين إلى تدوير زوايا الخلافات الكبيرة بينهما بشأن الأزمة السورية، هو إحساسهما بالهامشية فى ظل الاتفاق الأمريكى الروسى على كيفية حل الأزمة السورية، رغم انخراطهما فى الأزمة على الأرض.
الفكرة الروسية باتت تضم العديد من العناصر التى تجعلها فكرة قابلة للتنفيذ على الأرض، إذ إن هناك العديد من القوى العسكرية على الأرض، وكل منها يمتلك حيزًا جغرافيًا وارتباطًا دوليًا وجمهورًا، يضاف إلى عجز الأطراف الداخلية عن الحسم، واكتفاء الأطراف الخارجية بتحقيق الحسم لأحد أطراف الصراع.. إن ذلك هو الطريق المفضى إلى الفيدرالية التى لا تشبه فى حقيقتها فيدرالية روسيا أو أمريكا، بل فيدرالية العراق.