يجب أن تستمر حملتنا ضد التنمر وأن نبذل جهدا حقيقيا لمواجهته لأن الجروح النفسية التى يتركها هذا المرض داخل أولادنا أكبر بكثير من عدة أيام وعدة برامج.
ومعظمنا مر بتجربة سخيفة من هذا النوع أو عاش فريسة لبعض المتنمرين ونتذكر جيدا مرارة هذه القسوة ومهانة هذا الضعف. لذلك من الضرورى أن تستمر تلك الحملة وأن ندرك خطورة هذه الظاهرة العدائية فى تخريب المجتمع ككل وليس مجتمع الأطفال فقط.
فالتنمر مرض حقيقى يصيب المجتمعات وينتقل بين أفرادها كالوباء، هو شحنة سلبية وعدائية تنتقل كالفيروس بين الناس وأغلب المتنمرين عاشوا تجربة ضحاياهم أو مورس عليهم تنمر أكثر شراسة وأعنف نفسيا. ودراسة التركيبة النفسية للمتنمرين الصغار تؤكد أنهم يتعرضون لأنواع مختلفة من التنمر السلوكى أو اللفظى فى منازلهم أو فى أحيائهم السكنية يدفعهم للتنمر على أقرانهم محاولين إثبات قدرتهم على الإيذاء وقوتهم فى السيطرة بدلا من إحساسهم الدائم بالضعف والقهر.
وحينما يواجه الأطفال الأسوياء التنمر بشكل مستمر وبلا رقابة ووعى من المنزل أو المدرسة يتحولون بفطرتهم إلى متنمرين لرد هذا الإيذاء وبذلك تكتمل الدائرة ويصبح التنمر مثل الميراث الجينى ويدخل فى التركيبة الشخصية للجميع. وسواء اعترفنا أو أنكرنا أصبح التنمر سمة من سمات المجتمع المصرى بل ومن أبغض خصائصه.
فلا يمكن أن نطلق على أنفسنا شعبا لطيفا أو كريما كما مضى أو أن نجزم بأننا مجتمع طيب ومسالم كما كان يصفه السابقون. هناك خلل سلوكى واضح أصاب كافة تعاملاتنا وسلوكيتنا فى العمل والشارع والبيوت.
أنواع من التنمر لا حصر لها أصبحت بالنسبة لنا أسلوب حياة. ونادرا ما يمضى يوم فى حياتنا بدون أن نواجه نوعا من التنمر.. تنمر فى قيادة السيارات وبلطجة النقل والميكروباصات أو فى البيع والشراء والاستغلال والغلاء أو مع الزملاء والمديرين وأصحاب العمل، تنمر بالمناصب أو بالمال أو بقلة الأدب أو بالسلطة. هذه الأجواء المشحونة تجعلنا بلا وعى أكثر عنفا وتحفزا وعصبية ويؤثر ذلك على أطفالنا بلا أن نقصد فيصبحون أكثر ميلا للعنف والانفلات والقسوة وهذه بدايات التنمر وأول ملامحه.. نحن بلا وعى نخرج للمجتمع كل يوم نمور صغيرة. فابنك حينما يشاهدك تتشاحن فى الشارع وتسب وتلعن فى غباء السائقين ويراك فى تحفز دائم فى التعامل مع الاخرين وتصب غضبك بسهولة على المخالفين لرأيك أو على أخطاء تافهة لمن حولك بالتأكيد ستنتقل إليه هذه الشحنة السلبية وسيقلدك مع أقرانه الصغار. يجب أن ندرك أننا أصبحنا مجتمعا قاسيا على كل من فيه وأن الصغار ضحايا مباشرون لهذه القسوة. فأبناء القادرين أصبحوا يخافون المشى فى الشوارع بينما أبناء المتسولين احتلوها. وأصبح التنمر لغة حوار مجتمعى تبدأ بـ"متعرفش انا ابن مين" وتنتهى لسلوكيات قد تصل لجريمة.. المزايدة فى التنمر بين الناس مصيبة فهذا يستقوى بماله واخر بسلطته أو منصبه واخر بقوته البدنية أو بذاءته اللغوية أو بقدرته على الايذاء والبلطجة. حجم الشتائم فى الشارع المصرى اصبح مخيف وبين كافة الطبقات من التوكتوك إلى اغلى السيارات. فبدلا من أن يتبادل الناس الابتسامات والتحيات اللطيفة يتبادلون الشتائم والسباب فى منافسة حمقاء بين المارة والسيارات. هناك مشكلة حقيقية فى الشارع ونحن جميعا مسئولين عنها ونحتاج أن نجتهد مع انفسنا ونهدأ قليلا فى ردود افعالنا ونتعامل ببعض الحكمة.. فأبناؤنا يرصدون كل سلوكيتنا وتصبح من سماتهم الشخصية فيما بعد.. والعادة السخيفة التى ادمنها اغلبنا فى سب الناس والمجتمع ووصمهم بالجهل أو القذارة أو الغباء تخلق أطفال متنمرين بالفطرة وتصنع عداء اجتماعى بغيض بين مختلف الطبقات... ارحموا اطفالكم يا سادة علموهم بسلوككم وتصرفاتكم الحكمة والهدوء وتقبل اعذار الناس واحترام اقدارهم.. علموهم أن وطنهم جميل وان مجتمعهم طيب وان هناك امل فى التحسين والارتقاء بكل شيء طالما لدينا الإرادة لفعل ذلك.. ارجو أن نجعل من حملتنا على التنمر شعاع نور يضئ حياة أطفالنا ويعطيهم الطموح والامل وان ندرك أن مفتاح تحسين سلوكهم هو أن نحسن من سلوكنا وانهم سيتوقفون عن التنمر فى النوادى والمدارس حينما يختفى من شوارعنا وبيوتنا.