أكتب سطورى هذه وعربة قمامة يجرها حمار ويقودها طفل تقطع شارع «الروضة» بالمنيل وسط السيارات أحدث موديلات فى مشهد بائس تماماً، مشهد يعود بنا القهقرى إلى «عصر الدواب».
المفارقة، ساعة مرور العربة تبعثر مخلفاتها فى عرض الطريق، كنت أطالع «بوست» على «فيس بوك» يبشرنا بأن رئيس مجلس الوزراء قد أصدر تكليفاته بتفعيل عدد 2 خط هاتف محمول برقمى «01555516528-01555525444» لاستقبال رسائل وشكاوى المواطنين مع صور على «واتس آب» لأماكن تراكم أكوام القمامة بجميع أنحاء الجمهورية، بالإضافة إلى استقبال الشكاوى على الموقع الإلكترونى لمنظومة الشكاوى الحكومية الموحدة www.shakwa.eg أو الخط الساخن لشكاوى مجلس الوزراء 16528، وتوجيه الشكاوى للمحافظات والجهات المعنية لاتخاذ اللازم بشأنها.
واتس آب وعربة بحمار لا يجتمعان، عصر الدواب دخل فى العصر الإلكترونى فى حادث تصادم مروع، واتس آب ساخن ولا تزال قمامة القاهرة يرفعها طفل بكرتونة يقود حماراً، أكيد فيه حاجة غلط، كيف يمكن تحميل القمامة على واتس آب، والقمامة فعلياً محملة على عربة بحمار.
هل هذه الوسيلة التفاعلية هى الأنجع فى حل المشكلة؟.. أشك، جبال القمامة تحتاج لحل جذرى، لا ينفع معها واتس آب ولا عربة بحمار، تحتاج إلى منظومة وفق الآليات المتبعة عالمياً، ما تم رفعه عبر شكاوى الـ«واتس آب» لا يمثل سوى حمولة من جبل القمامة الجاثم فوق الصدور، ربما العربة بالحمار ترفع أكثر منها وربما أنجع طالما هناك من يصر على البقاء فى عصر الدواب.
مشكور رئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولى يحاول جاهداً الدخول إلى العصر الرقمى ولكن أجهزته التنفيذية لا تزال تعيش فى عصر الدواب، الرجل يتفاعل يومياً مع رسائل الـ«واتس آب»، ويراجع على رؤساء المدن والأحياء شكاوى القمامة، ويطالب، تماما، بإزالة أكوام القمامة التى أفصحت عنها رسائل المواطنين عبر واتس آب، والمحافظون ورؤساء الأحياء نيام نيام، يستوجب عندما تصل رسالة «واتس آب» إلى مكتب رئيس الوزراء بحمولة من القمامة لا يطلب رفعها فحسب بل وإقالة رئيس الحى قبلها، عندما تصل القمامة إلى واتس آب رئيس الوزراء، يبقى فيه حاجة غلط، هو سعادة رئيس الحى وفخامة المحافظ نايم على ودانه، أقله شد ودانه.
معقول رئيس الوزراء يقتطع من وقته الثمين دقائق لإصدار أوامر من مجلس الوزراء برفع القمامة أمام مدرسة فى شارع جانبى فى بنها؟.. أجدى وأنظف لو خصص رئيس الوزراء اجتماع مجلس المحافظين المقبل لهذه المشكلة فحسب، وبحضور وزيرى البيئة والتنمية المحلية، ويطلعهم على رسائل حصاد «واتس آب»، ويتم تكليف المحافظين برفع القمامة فوراً وبلا تأخير، وفى مدى زمنى محدد، وبآلية منتظمة وفق منظومة واقعية لا تهمل الآليات الإلكترونية إذا كانت ناجعة.
وأخيراً، تركيز القضايا فى مكتب رئيس الوزراء يخلى طرف الوزراء والمحافظين من مهامهم المنوط بهم تنفيذها، إذا كان مجلس الوزراء سيتابع أكوام القمامة فى شوارع طنطا، ما هى مهمة محافظ الغربية؟! وإذا كان رئيس الوزراء يطالع صور القمامة على الواتس فى طهطا ويتصل لرفعها فما هى مهمة رئيس المدينة بل ورئيس القرية، وهذا الطابور اللانهائى من الرئاسات فى المحليات؟!
مهمة رئيس الوزراء كما أفهمها التخطيط والتوجيه المركزى العام، وتأسيس المنظومة العلمية، واعتماد مالياتها، ومراقبة جداول تنفيذها، لكن الغرق فى التفاصيل على الـ«واتس آب» من قبيل التزيد المعوق لتمام المهمة، جيد إزالة كوم من القمامة هنا أو هناك، ولكن أين هى المنظومة التى تمنع تكدس القمامة من جديد، وربما فى نفس الأماكن، أين هى المنظومة المنتظمة التى تنتهى بنظافة مستدامة؟