كنت ضمن الحاضرين الندوة التثقيفية الـ29 للقوات المسلحة، بمركز المنارة للمؤتمرات، تحت عنوان «أكتوبر تواصل الأجيال» والتى شرفها بالحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولم يكن هناك كلمة للرئيس بالبرنامج لذا استأذن الرئيس فى إلقاء كلمة ارتجالية لم تكن مكتوبة، ولم يكن هو مستعداً لإلقاء كلمات فى هذا اليوم، لكن الأجواء الاحتفالية وكلمات الأبطال جعلت الرئيس يقرر أن يتكلم كـ«مواطن» وهى الكلمة التى جعلتنا فى قرارة أنفسنا نقول للرئيس لا تلقى خطابات مكتوبة بعد الآن سيادة الرئيس أرجوك ارتجل فى كل خطاباتك، الرئيس فى كلام من القلب وصل لقلب كل مصرى أرسل عدداً من الرسائل الخفية وصلت للشعب المصرى وللحكومة بل وللعالم بل وصلت للأعداء وللإرهابيين أيضاً.
للشعب المصرى كانت أكثر من رسالة من الرئيس إليه، فالأولى والأهم طمأن الرئيس شعبه على مصر وحملت الرسالة بشرى 2020 وأن مصر ستكون أفضل بكثير مما هى عليه الآن.
الرسالة الثانية أن مصر تعانى من الزيادة السكانية التى تعد تحدياً كبيراً أمام الدولة المصرية، وإذا ظللنا على هذا الوضع لن يكون هناك أمل أو تحسن للواقع، متسائلا: «هل لدولة أن تقوم فى ظل هذا التحدى؟ لما يكون عندك 22 مليون بيتعلموا.. هيتعلموا كويس؟ هيلاقوا شغل وأنت بتضخ فى سوق العمل كل عام مليون؟ إزاى طيب؟!.. »
أما الرسالة الثالثة للشعب فكانت من مجموعة كلمات رددها الرئيس كثيراً وهى الوعى والفهم والإدراك والاستيعاب، وأن كل ما يقام بالدولة المصرية من إنجازات، سيهدر ويختفى بدون فهم ووعى المصريين، وكل «اللى بيتعمل وزيادة 100 مرة لو مكنش فى وعى وكتلة تخاف على بلدها» وحث أجهزة الدولة الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة والجامعات بالمساهمة فى بناء هذا الوعى، ونبه أن أى «حاجة تتبنى ممكن تتهد» لو فقدنا الوعى.
ومن هنا تأتى رسالة الرئيس للشعب بعدم الاستهزاء بمؤسساته وعدم الضغط، لأن صانع القرار هو من يتم حسابه وليس «من تظاهر ضده أو ضغط عليه» فقال: بعد هزيمة 1967، الرأى العام كان ضاغطاً جدًا جدًا على القيادة السياسية حتى تحارب، لكن هل الجيش كان قادر يحارب فى الوقت ده؟ المصريين كانوا بيستهزأوا بإمكانياتنا وقتها ومطلعين نكت ساخرة عن الهزيمة والجيش وأن قدرات الدولة المصرية فى وقت حرب أكتوبر كانت محدودة، وقدرات الخصم كانت ضخمة جداً، وقدرتنا أن نتحصل على سلاح كانت محدودة فى تلك الظروف، ولو مصر خاضت حربا وهى غير مستعدة كانت القيادة السياسية هى من ستتحمل النتيجة، وقرار حرب أكتوبر، وما تحقق من نتائج معجزة بكل المعايير والحسابات».
أما رسائل الرئيس للحكومة فهى كانت كثيرة ومباشرة، ومنها ما تحدثنا عنه فى المساهمة وبناء الوعى للشارع حتى يحافظ على مقدراته، وأيضاً الرئيس حث الحكومة على الشفافية مع المواطن وإعلامه بجميع التحديات وكشف الأرقام حتى يكون لدى المواطن العلم بما تحتاجه الدولة، وما ينبغى عليه فعله.
كانت رسائل الرئيس قوية لإسرائيل عندما قال الرئيس إن مَن استطاع فعل هذا الانتصار وتحقيق هذه الخسائر بكم قادر على تكرار ما فعله وأننا وإن فقدنا قدرتنا العسكرية فى67 لكننا لم نفقد الإرادة وتم إعادة بناء القوات المسلحة، وإرادة المصريين لم تنته بعد نكسة 1967، وقبل حرب 1973 أعيد بناء الجيش حسب الظروف المتاحة، وفرص الحصول على السلاح بعد النكسة كانت مختلفة تمامًا، وكان فيه معسكرين فقط ممكن شراء السلاح منهم، والظروف الاقتصادية كانت صعبة وخسائر العدو هى التى أجبرته على التفاوض وترك أرضنا التى كانت محتلة فالخسائر التى مُنى بها العدو كانت أهم أسباب قبوله بالسلام، فالعدو ذاق ثمن الحرب الحقيقية لذلك وافق على السلام رغم أن المصارحة مع الشعب كانت تعتبر إشكالية كبيرة، إن القوات المسلحة بذلت الدماء وقدمت التضحيات من أجل استرداد كرامتنا، وأن القيادة السياسية تعاملت فى 73 وفقاً لقدرتنا الحقيقية وبأسلوب علمى، وفى الوقت الذى كانت مظاهرات الطلاب تضغط عليها لم تكن إمكانياتنا تسمح بالدخول أكثر من 20 كم فى عمق سيناء.
وهنا تحدث الرئيس بمرارة من عاصر تجربة مرارة الهزيمة فى 67، ومرارة محاربة الإرهاب وقال إن الشعب يعيش الآن مرحلة مريرة أيضاً، والمعركة لم تنته منذ حرب 1973، لكن العدو بات غير واضح، وتحديات كبيرة واجهت المصريين للعبور، وكان العالم يرى أن مصر فى حاجة إلى قنبلة ذرية للتمكن من العبور.
وهنا أرسل الرئيس رسالة واضحة للعالم أن خسائر 73 لن تتكرر مرة أخرى فى مصر، والجيش دفع الثمن خلال الحرب من خلال الإرادة والمخاطرة والدم الذى قدم دفاعًا عن أرض مصر، وهناك الكثير من المصابين لديهم إعاقات نتيجة الحرب ومنهم من توفوا فى الفترة الماضية وأن مصر لن تحارب إلا لاستعادة أرضها وإقرار سلام حدودها فى الماضى، وهو ما تفعله فى الوقت الحاضر، وهنا استعان الرئيس بشعبه ليدخل مرحلة الوعى فاستيعاب الناس للواقع الذى تواجهه الدولة أمر ضرورى وحتمى لإنجاح قرارات التنمية، فحرب أكتوبر كانت بمثابة حرب انتحار للجيش والشعب المصرى كله شارك فيها بجميع الفئات بإرادتهم وعزيمتهم، الشعب المصرى كله دفع الثمن، وكانت الناس مضغوطة ومحرومة وبتعانى ومفيش أمل وكان الشباب بيدخل الجيش فى الوقت ده ولا يعرف إذا كان سيخرج أم لا فيما لا يقل عن مليون شاب، ولم يكن لديهم أمل أن يخرجوا من الجيش إلا بعد انتهاء المعركة.
أما رسالته للإرهاب والإرهابيين أننا لن نترككم وسنأتى بكم ونحاسبكم هنا. قال الرئيس نسعى لاستلام الإرهابى هشام عشماوى من ليبيا لكى نحاسبه، وهنا كرر الرئيس كلمة «آه» للتأكيد على الحساب وعلى إحضاره، كلمات قالها الرئيس وضرب الرئيس مثالاً بضابطى الصاعقة اللذين يمثلان طرفى نقيض «المنسى» الذى أصبح أسطورة وقدوة وغنوة شعب و«عشماوى» الذى «بغى» وخالف العهود وخان، ومصير كل منهما ومصيره ومصير أولاده وكيف ينظر لهما.. نعم الفهم والإدراك والوعى.. رجعت بذاكرتى لفترة من الزمن عندما كان الرئيس يجلس أبناء الشهداء على «رجله» وكان يطعمهم بيده.. نعم إنه الفارق بين من ضلَّ ومَن وعى وفهم وأدرك.