فى أوقات كثيرة أشعر بأن الشعر هو الذى يحفظ ميزان العالم، يحميه من الخلل، لولا الشعر لقتل الإنسان نفسه، هو يفعل ذلك أحيانًا، لكن لولا الشعر لقتل الإنسان نفسه أكثر، ولأحرق المدن بشكل أكبر، وارتكب كل الآثام التى فى الدنيا، ومن أجل هذا أفرح كلما قرأت قصيدة جميلة، أو حتى قرأت خبرًا يتعلق بمستقبل القصيدة.
ومنذ يومين قرأت خبرًا، ظننته فى البداية عاديًا، فهو يقول «افتتحت الصين فعاليات الدورة الـ38 للمؤتمر العالمى للشعراء فى مقاطعة «قويتشو» جنوب غربى الصين، بمشاركة أكثر من 100 شاعر من أكثر من 20 دولة ومنطقة، بما فى ذلك الولايات المتحدة واليابان والمكسيك، وسيشهد المؤتمر، الذى يعقد فى محافظة سوييانج، والتى تعرف باسم «بلدة الشعر فى الصين»؛ انعقاد سلسلة من المنتديات والمؤتمرات لإصدار كتب جديدة وجلسات لإلقاء الأشعار، وتحظى سوييانج بتاريخ عريق فى الشعر، حيث شهدت المحافظة نشأة أكثر من 100 شاعر صينى نظموا قصائد من أسرة سونج «960-1279» إلى أسرة تشينج «1644-1911»، حيث تضم المحافظة حاليا نحو 200 «شاعر ريفى».
أخذنى الخيال إلى بلدة الشعراء هذه التى يعيش فيها 200 شاعر، وتخيلتهم لا يفعلون شيئا سوى كتابة القصائد، فى الوقت الذى تزداد فيه المنافسات الاقتصادية بين الصين وأمريكا، فى الوقت الذى يفكر إرهابى بتفجير مدرسة أطفال أو فى قتل نفسه وسط حافلة لا يعرف شيئا عن الراكبين فيها، فى الوقت الذى تزداد فيه سينما الرعب والشوارع المظلمة، وتخيلت شاعرا يكتب جملة «واحدة» ثم يظل يتأملها مبديا رضاه عن نفسه، وشاعرا بأنه قدم خدمة لنفسه والعالم.
أعتقد أنه ذات يوم كانت فى عالمنا العربى أشياء مثل هذه، كانت القصيدة هى ديوان العرب وكان الشعراء هم أمراء البيان، هل جاءتنى هذه الأفكار لأن اليوم هو ذكرى ميلاد أمير الشعراء أحمد شوقى، نعم مائة وخمسون عاما تمر اليوم على مولد واحد من أكبر الشعراء العرب فى التاريخ، الذى كانت قصائده تحتل الصفحات الأولى فى الصحف وفى المجتمع الثقافى.
لا يمكن أن أقول إن الشعر تراجع «جماله» ولا أن أيامه مضت، ربما تحول بعض الشىء عن غنائيته الظاهرة، لكنه لا يزال «يطرب القلب» كلما شعرنا بالعالم بين أيدينا مختصرا فى بضع كلمات، لذا ولكل هذه الأشياء أتمنى أن تهتم المؤسسات فى مصر بالشعر وتمنحه مساحة يستحقها حتى يعلو الغناء على صوت الرصاص.