لا تستهينوا بسيناريو جريمة اختفاء الصحفى الإخوانى جمال خاشقجى فى تركيا، فكم من الأوطان اندلعت فيها نيران الفوضى، بفعل شرارة اختفاء شخص، أو تعذيب مواطن، ولكم فى «بوعزيزى» فى تونس، و«خالد سعيد» فى مصر، أسوة سيئة..!!
إذن سيناريو اختفاء خاشقجى، عملًا مدبرًا تشرف عليه أجهزة استخباراتية، لإشعال نار الفوضى فى المملكة العربية السعودية، انتقامًا لصالح قطر، بالدرجة الأولى، ولتدشين مزيد من عمليات الابتزاز السياسى والاقتصادى..!!
وخلال السنوات العشر الماضية، أصبحت الأراضى التركية مسرحًا لتنفيذ كل الجرائم السياسية القذرة، ما يؤكد حقيقتين جوهريتين، الأولى أن الأجهزة الأمنية التركية المختلفة وفى مقدمتها، المخابرات، لها يد الطولى فى الإعداد والتنفيذ؛ والحقيقة الثانية، أن تركيا بلد غير آمن بالمرة، وأنها الأسوأ عالميا فى معدلات جرائم الاختفاء القسرى والاغتيالات السياسية.
وسنرصد 15 جريمة سياسية وقعت على الأراضى التركية، خلال السنوات العشر الماضية، والمثير للدهشة، أن المجتمع الدولى، يقف صامتا، لا يبدى أى حراك حيال هذه الجرائم الخطيرة، ولو جريمة واحدة من هذه الجرائم وقعت فى القاهرة أو الرياض أو دبى أو أى عاصمة عربية ذات ثقل سياسى، لقامت الدنيا، وتحركت الأساطيل فى البحار، وأسراب الطائرات فى الجو، والدبابات على الأرض، من حلف الناتو، وأمريكا والاتحاد الأوروبى، لتأديب الدولة التى وقعت على أراضيها هذه الجريمة..!!
الجريمة الأولى، وقعت فى عام 2007 عندما اختفى الجنرال الإيرانى «على رضا عسكرى» فى قلب اسطنبول، وفى وضح النهار، ورغم مرور أكثر من 10 سنوات كاملة، لم يتم العثور عليه حيّا أو ميتا، حتى كتابة هذه السطور.
ولمن لا يعرف من هو الجنرال على رضا، فإنه من أبرز العسكريين الإيرانيين، وشغل منصب نائب وزير الدفاع الإيرانى، لمدة 8 سنوات، ويعد خزينة معلومات مهمة، عن الوضع العسكرى الإيرانى برمته؛ وبينما كان فى زيارة لدمشق، عام 2007 توجه إلى اسطنبول، وهناك اختفى، واشتعلت نار الحرب الاستخباراتية، كما اشتعلت نار الأسئلة وعلامات الاستفهام عما إذا كانت المخابرات التركية تورطت فى اختطافه، وتسليمه للمخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية»..!!
الجريمة الثانية، فى عام 2008، شهدت القنصلية الأمريكية بإسطنبول هجوما نفذه أفراد، تردد حينها، أنهم يرتبطون بتنظيم القاعدة، وأسفر الهجوم عن سقوط ثلاثة قتلى من أفراد الشرطة، ومثلهم من المنفذين للجريمة؛ وحينها صمتت أمريكا، ولم تتخذ أى إجراء ضد تركيا..!!
الجريمة الثالثة، فى عام 2009 تعرضت السفارة الصينية لهجوم مسلح..!!
الجريمة الرابعة، فى عام 2013 تعرضت السفارة الأمريكية فى أنقرة للتفجير، عندما هاجم انتحارى كان يرتدى حزاما ناسفا، السفارة وفجر نفسه، مخلفا ضحايا وتخريبا كبيرا، ومع ذلك لم يبد للرئيس الأمريكى، باراك أوباما، الغضنفر على مصر، والفأر المبلول على تركيا، أى امتعاض أو غضب..!!
الجريمة الخامسة، فى عام 2014، عاد الهجوم على الصينيين من جديد وتم اختطاف 4 عمال، فى وضح النهار أيضا.
الجريمة السادسة، فى عام 2014 أيضا، تعرض مفرح العسيرى، المعارض السعودى، للاغتيال، عقب إعلانه الندم، ومطالبته سلطات بلاده بالعفو عنه، مقررا العودة للرياض، فتم اغتياله.
الجريمة السابعة، فى عام 2015 تعرضت السفارة الصينية للهجوم، بجانب حملة التخريب وحرق الممتلكات الصينية، فى اسطنبول، كما تعرض السائحون الصينيون، للاغتيالات والطعن بالخناجر والسكاكين، ولم نسمع الصين العظمى، صوتا منددا أو مهددا، رغم تكرار الحادث.
الجريمة الثامنة، فى عام 2015 تعرضت السفارة الأمريكية للهجوم المسلح، ورغم تكرار الحادث أيضا، والذى ينال من هيبة أكبر قوة على سطح الأرض، لم تتحرك أمريكا، كالعادة..!!
الجريمة التاسعة، فى عام 2016 قٌتل السفير الروسى، أندريه كارلوف، برصاص شرطى تركى، أثناء زيارته لمعرض فنى فى أنقرة، عندما صوب رصاصه فى ظهره، بينما السفير يلقى كلمة، ورغم التهديدات الروسية، لم تفعل شيئا، ومر الموضوع مرور الكرام.
الجريمة العاشرة، فى 2016 تعرضت السفارة الإسرائيلية للاعتداء، ولم تبد تل أبيب أى امتعاض، ومر الحادث بردا وسلاما على العلاقات الدافئة و«الحميمية» بين تركيا وإسرائيل.
الجريمة الحادية عشرة، فى عام 2017 تم اغتيال رجل الأعمال الكويتى الشهير، محمد متعب الشلاحى فى قلب اسطنبول، ومن المعروف أن «الشلاحى» يعمل فى سوق العقارات فى أكثر من دولة، وتوجه العام الماضى إلى تركيا، معلنا عن بيع عدد كبير من العقارات التى يمتلكها فى اسطنبول وغيرها، فكانت رصاصات الغدر قد اغتالته.
الجريمة الثانية عشرة، طال رصاص الغدر الإعلامى الإيرانى المعارض، والمقيم فى تركيا، سعيد كريميان، مدير قناة GEM TV والذى كان بصحبة رجل الأعمال الكويتى محمد متعب الشلاحى..!!
الجريمة الثالثة عشر، هذا العام 2018 تم الاعتداء على السفارة الأمريكية، فى كلاكيت عاشر مرة، ولم نسمع المبجل «ترامب» يلوح بالتهديد، والحصار الاقتصادى، وتحريك قطع أساطيله الرابضة فى البحار والمحيطات.
الجريمة الرابعة عشر، لم تمر أيام على إطلاق الرصاص على السفارة الأمريكية، حتى تعرضت لهجوم أيضًا، وتم القبض على 4 أشخاص، تردد أنهم يحملون الجنسية العراقية، ولم يتحرك ترامب أيضًا..!!
الجريمة الخامسة عشر، فى العام الجارى أيضًا 2018، حاول دبلوماسيون أتراك، وبتعليمات من المخابرات التركية، اختطاف رجل أعمال تركى فى زيورخ، متهم بأنه أحد رجال المعارض التركى «فتح الله جولن»، وذلك عن طريق تخديره، وأصدرت النيابة الفيدرالية السويسرية مذكرة ضبط وإحضار للدبلوماسيين التركيين.
ثم نأتى للجريمة السادسة عشر، وهى المتعلقة باختفاء الكاتب الصحفى الإخوانى جمال خاشقجى، والذى تحركت كل من أمريكا وألمانيا وفرنسا، وقطر وتركيا وإسرائيل وغيرها من الدول، لإدانة اختفائه، ومحاولة توريط السعودية بارتكاب الجريمة، بينما لم نسمع لهذه الدول صوتًا عن عشرات الجرائم السياسية والدبلوماسية التى وقعت فى قلب اسطنبول طوال السنوات الماضية.
هذه الجرائم، التى تعد غيض من فيض، يؤكد اندثار الأمن والأمان فى تركيا، وانتشار الغدر والخيانة، والاختفاء القسرى..!!