لا شيء يثير الحماس فى النفس مثل اجتماع عربى يحدث فى مصر، وقد حدث ذلك مؤخرا وعلى مدى يومين كاملين، 14 و15 أكتوبر الجاري، اجتمع ممثلو 19 دولة عربية، وزراء ومختصين فى الشأن الثقافي، وذلك فى القاهرة، بالدورة الواحدة والعشرين لمؤتمر وزراء الثقافة العرب.
وبعيدًا عن التوصيات المهمة التى خرج به المؤتمر، والتى أتمنى أن يتم تنفيذها فورًا، فإن فكرة الاجتماع العربية فى حد ذاتها خطوة إيجابية أتمنى أن نحرص عليها بشكل مستمر، ليس وزراء الثقافة فقط، لكن كل الوزرات والهيئات العربية الأخرى، لأن ذلك كفيل بأن يقرب وجهات النظر وأن يجعل أمورا كثيرة مشتركة وذلك هو قمة المؤاخاة والعمل، فالكل يعرف أن المصلحة الواحدة والمنفعة هى العامل الأساسى لنجاح العلاقات.
ورغبتى فى الاجتماع العربى الدائم من أجل تحديد المصالح والعمل على تنفيذها ليس بدعا فى الحياة السياسية، لكنه يحتاج إخلاصا ورغبة حقيقية فى العمل الجماعي، دون أن يفرض أحد رأيه على الآخر، ودون أن يسعى أحد لتغيير هوية الآخر، ومع مراعاة المساواة فى الفرص، مثلا يجب أن تصبح كل دولة عربية لها الحق فى تنظيم فعاليات "عاصمة الثقافة العربية" و"عاصمة الثقافة الإسلامية" ما الذى يمنع ذلك؟ وع مراعاة أن الدولة غير القادرة ماديا على تنفيذ الفعاليات يساعدها الآخرون كى تنجح.
أما كون المؤتمر الأخير الذى عقد فى القاهرة مرتبطا بالثقافة، فهو شيء مهم جدا، لأن الثقافة هى الجوهر الحقيقى للقاء هذه الشعوب ومن بعدها الحكومات والمؤسسات، فالأمور المشتركة كثيرة، ومعظمها شأن ثقافي، دين وتقاليد، ومأثورات، ولغة، وحياة، وماضى ومستقبل، وكتب، وفعاليات، ومعارض كتب، وجوائز، ومؤتمرات، ودور نشر، ومشاركات ثقافية، وروايات، وشعر، وتراث، ومبانى، وعمارة، ومساجد، وكنائس، وأسماء شوارع، وشخصيات تاريخية، وأفلام سينمائية ومسلسلات درامية ومسرحيات، وأشياء أخرى كثيرة توكد أن الثقافة هى أصل أى اتفاق وموطن كل لقاء.
بعد انتهاء المؤتمر عاد كل وزير وكل مشارك فى هذا المؤتمر إلى بلده، وأتمنى ألا يظن أن مشاركته كانت شأنا رسميا وتمثيلا لبلده وحسب، بل يتعامل بكونه كان عضوا فى جامعة عربية، وأن ما اتفقوا عليه واجب النفاذ، ويحتمل التطوير والزيادة.
لا مستقبل لهذه الكتلة العربية سوى بالتقارب والاتفاق، طبعا بعض الاختلافات لا تضر، مع الوعى بأن التقارب أكثر فائدة وأكثر جدوى للشعوب التى تتمنى أن يجتمع الجميع على كلمة سواء.