أعترف أننى مدمن للفيس بوك، ولكننى مدمن ينشد العلاج، أريد أن أبرأ من هذا الداء، وأعترف أننى أصبحت أسعد عندما أنسى المحمول فى البيت وأذهب إلى عملى، وأسعد أكثر عندما يقطع النت، لأنى سوف أرحم نفسى من هذا السقم.
جربت الإقلاع والامتناع التدريجى عن الفيس بوك، لكنى ما أن أبرأ حتى أنتكس من جديد، كل الحياة ارتبطت به أصبح المصدر الأساسى للأخبار العادية، وأخبار البلد والجيران وأصدقاء العمل.. فلان ابنه تخرج، لماذا لم تعمل له «لايك»؟ وفلانة والدتها توفيت وكتبت على صفحتها على «الفيس» لماذا لم تشاركها بكلمات العزاء؟ ولا مانع من وضع «إيموشن» إنك بتبكى.. الناس تتصرف مع الفيس بوك باعتباره وسيلة تواصل حقيقية يبنى على أساسها العلاقات الإنسانية كرها أو حبا، أو تملقا، لاحظ المسؤول، أى مسؤول، ستجد مرؤسيه يشبعونه تعليقات، تمجد فى أى قرار يتخذه، ويمطرونه بالمشاعر الفياضة، فإذا ما ترك منصبه، ينصرفون عنه، سلوك بشرى فطرى منذ بدء الخليقة، أحد كبار خبراء الإعلام فى مصر لاحظ الأمر وكتب: بمجرد أن أنتهى من كتابة التعليق على صفحتى كانت تنهال التعليقات «واللايكات» بالآلاف خلال دقائق، الآن أصبحت «اللايكات» بالعشرات، وعلى وقت أطول بعد أن تركت منصبى.. «السوشيال ميديا» جعلت الناس أمامك عراة، بعضهم ينضح صديدا، كارها لكل شىء وأى شىء، والبعض الآخر مدع، لكن صوته عال، يفرض نفسه كفقاعة «فيسبوكية» والبعض يخرج أمراضه النفسية على الملأ، يكتب كلاما لا منطق يحكمه، ولا عقل، الجميع تحرر من كل الحواجز والممنوعات، ووضعها عن طيب خاطر فى يد مخترع الفيس بوك، ونحن بدورنا نتخلى عن خصوصياتنا ونضعها عن طيب خاطر أيضا على الملأ. ما معنى أن يقوم آحاد الناس بنشر أدق صورهم الخاصة، إحداهن أعدت طبق سلطة، أيوه طبق سلطة، صورته ووضعته على صفحتها: اتفضلوا، وأخرى تقوم من النوم، وتضع صورة «سلفى» لنفسها وهى تعطى قبلة «البطة»، ناهيك عن كم التعازى الذى تتصفحه صباح كل يوم، والرسائل المشفرة الموجهة «والحدق» يفهم. لفت نظرى عرض كتاب نشر فى الـ «ديلى ميل» البريطانية تعرض فيه مؤلفته «تيانا جودين» عشر خطوات تنجو بها من فخ «الموبايل» و«التابلت» منها أن تحدد أوقات وأماكن لاستخدامها وتعيش حياتك بعد ذلك «طبيعى»، واقترحت الكاتبة وضع هذه الأجهزة الملعونة فى «صندوق عزل» وبعد ذلك تعيش كما يجب أن يعيش ويتواصل البشر.. حاولوا!
الحياة مع القبح
أصبح القبح ظاهرة، يحيط بنا، نستسيغه ونتعايش معه ونألفه، وأصبح هو الأساس، والجمال هو الاستثناء، لذلك نهتم ببيوتنا من الداخل وننفق عليها الآلاف وربما الملايين، ونترك البيت من الخارج «على الطوب الأحمر» فى رسالة مفادها عدم احترام قيمة الجمال، وتصديره لمن يرى، فينعكس ذلك إيجابيا عليك
فى هذا الإطار، واستقراء لواقع نعيشه منذ عدة عقود تفشت ظاهرة أخرى فرعية، تتمثل فى الاعتداء على التماثيل ذات القيمة الفنية التى وصلت إلينا ممن سبقونا، الاعتداء أخذ أشكالا متعددة، مرة بتحريمها، واعتبارها أصناما، ومرة بإهمالها والاعتداء عليها، ولكن الجديد هو تشويهها عن جهل وعدم إدراك لقيمتها، وجمالياتها، وأبعادها الفنية، فيتم طلاء التمثال ذى القيمة الفنية بورنيش أو بوية، نعم بوية، مثل التى نطلى بها بيوتنا، أستطيع أن أعدد لك عشرات الأمثلة التى تم فيها الاعتداء على تماثيل تراثية فى المحافظات المختلفة بتشويهها، كان آخرها تمثال «الفلاحة المصرية» فى منطقة العمرانية للمثال الراحل فتحى محمود، الذى قاموا بطلائه وتلوين شعر التمثال والعين بالأسود!
حدث نفس الأمر مع تمثال نفرتيتى فى المنيا، ولكن بصورة أقرب إلى الفضيحة، ومع تمثال العظيم محمد عبدالوهاب فى باب الشعرية، ومنذ أيام فى تمثال الخديوى إسماعيل بمحافظة الإسماعيلية.
بح صوتى وأنا أكتب عن رسالة جهاز التنسيق الحضارى الذى أنشئ لهذا الغرض: محاولة الحفاظ على قيم الجمال فى الشارع والميادين المصرية، ووقف العبث بما وصل إلينا من الأجداد الذين كانت على أيديهم القاهرة من أجمل وأنظف مدن العالم فى النصف الأول من القرن الماضى.. وللأسف أنا على يقين بأن هناك وزراء ومحافظين ورؤساء مدن ومراكز لا يعلمون بوجود هذا الجهاز المهم ودوره الأكثر أهمية.