22 يناير 1993 ، يوم لا ينسى فى حياتى ، فهو تاريخ اليوم الذى قررت فيه أمى أن ترحل وتتركنى وحيدا فى هذه الدنيا ، رحلت قبل ان أشعر بحنان الأمومة و عطفها و أشبع من حبها، قبل ان اقبل يديها و قدميها بعد كل دعاء تردده لى.
ماتت أمى قبل أن أشبع عينى من رؤيتها ،ماتت بعد عناء شديد مع المرض بعدها عنى خلال الأربع سنوات -ما بين أن خرجت للدنيا و رحيلها -حتى يكون اخر ما تقع عليه عيناى رقودها بين أجهزة التنفس بمنزل جدى و أيضا و هى تتكئ على كتف خالى اثناء صعودها سلالم إحدى مستشفيات بنها ، لتكون بذلك أخر صورتين لأمى مازالت فى عينى حتى الآن.
لم تتخيلون شعور الطفل الذى فقد أمه ،فى أول يوم له فى المراحل التعليميه ،لم تتخيلون شعوره أثناء شراء ملابس العيد ،أثناء الإستيقاظ لصلاة العيد و هو ينظر حوله يمينا و شمالا ولم يجد أمه ، لم تتخيلون شعوره أثناء عودته من المدرسة و لم يجد من تضع له المأكل و المشرب ، لم تتخيلون شعوره و هو ذاهب للإمتحان و لم يجد من تدعى له ، لم تتخيلون شعوره لفقدانه فرحة أمه به بعد نتيجة الثانوية العامة و لدخوله الكلية و لتخرجه منها ، لم تتخيلون شعوره فى عيد الام بدون امه .
أمى تضج المجالس بطيب ذكرها وجميل أفعالها وهي تحت التراب، فعندما أجلس مع أحد من أقاربى او من أبناء قريتى الكائنة بمركز طوخ محافظة القليوبية ويأتى أسم والدتى "سمره –رحمة الله عليها" إلا و يردد :«الله يرحم والدتك ، والدتك ماكنشى لها مثيل ، والدتك كانت تنحط ع الجرح يطيب»، هكذا عندما التحقت بالمدرسة التى كانت تدرس بها ،رأيت اهتماما بالغا من قبل المعلمين و المعلمات لأنى ابن "الابله سمرة".
23 عامًا و ياتى عيد الام و لكن بدون "الابله سمره" ،23 عاما وقلبى متعطش دائما لرؤيتها لو لمرة واحدة، متعطش لدعوة منها"يارب يحبب فيك خلقه " ،سنوات عديدة مضت على من كنت أكرم من أجلها كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم " إذا ماتت الأم نزل ملك من السماء يقول:يا ابن آدم ،ماتت التي كنا نكرمك لأجلها ، فاعمل لنفسك نكرمْك "..فنصيحة لكل من لديه أم أن يدعو الله كثيرا لها وأن يبارك فى عمرها وصحتها فهى كنز أمامك لاتفقده أغتنم هذه الفرصة ولاتجعلها تفوتك.
رغم إني لم أراكى يا أمى بعد أن وضعتينى و خرجت إلى الدنيا ،لكن قلبي متعطش دائما لرؤيتك..لم أخاف يوما من الموت منذ أن أتيت للدنيا و لكن تمنيته لأنه سيجمعنى بك و سيشبع عيني من رؤيتك، لم استطيع ان اقدم لكى الهدايا فى عيد الام سوى ذلك الدعاء "فاللهم إجعل أمي سيدة من سيدات أهل الجنة، واجعل الحوض مورداً لها، والرسول شافعا لها واجعل ظلك ظلا لها، والولدان المخلدون خدما لها، والسندس لباسا لها، والقصور سكنا لها يارب العالمين".