نصر كبير حققته مصر على تركيا فى القرن الإفريقى خلال الساعات القليلة الماضية، عندما فازت شركة المقاولون العرب بمناقصة بناء سد «ستيجلر جورج» فى تنزانيا، والذى سيقام على نهر «روفيجى».. ويولد طاقة كهربائية بقيمة 2100 ميجاوات، بعد منافسة شرسة مع شركة تركية، مارست كل الحيل القانونية وسلكت كل الطرق غير الشرعية.
الانتصار كبير ومهم، ويؤكد أن مصر استطاعت فى عهد النظام الحالى أن تكون لاعبا أساسيا فى مباراة المصارعة والمبارزة، للسيطرة على إفريقيا، بقوة وصلابة وحرفية، ودون ضجيج، ويوما بعد يوم توجه ضربة قوية لخصومها، وتكتسب أرضية جديدة مع أشقائها الأفارقة.
وجماعة الإخوان ورفاقها السوء من الحركات الفوضوية واتحاد ملاك يناير، مخطئون لو اعتقدوا أن تركيا وقناة «الجزيرة» وعاصمتها «قطر» انتصروا فى معركتهم مع السعودية، لمجرد أن مواطنا سعوديا قتل فى قنصليتها بإسطنبول، والتى تعد جزءا من التراب الوطنى السعودى، وأن المتهمون يتم محاكمتهم حاليا، خاصة أن تركيا، تحديدا، دولة قتلت ونكلت وشردت الآلاف من مواطنيها..!!
وكما قال عالم الجغرافيا العبقرى الدكتور جمال حمدان، عن تركيا، فى كتابه «شخصيات مصر وتعدد الأبعاد والجوانب» أن ما بين تركيا ومصر مشابهات على السطح قد تغرى بالمقارنة، فتركيا بين آسيا وأوروبا، مثلما مصر جسر بين آسيا وأفريقيا، بل إن الجسم الأكبر فى كل منهما يقع فى قارة، بينما لا يقع فى القارة الأخرى إلا قطاع صغير «سيناء وتراقيا» على الترتيب، وفى كلا الحالين إنما يفصل بينهما ممر مائى عالمى خطير، أضف إلى ذلك التناظر القريب فى حجم السكان.
ويضيف الدكتور جمال حمدان: «لقد تمددت تركيا فى أوروبا حتى فيينا، كما وصلت مصر إلى البحيرات فى أفريقيا، واندفعت كل منهما فى آسيا من الناحية الأخرى».
ويفجر الدكتور جمال حمدان، قنبلة، عندما يؤكد أنه ورغم كل هذا التشابه بين البلدين، فإنه تشابه مضلل لأنه سطحى، وسطحى لأنه جزئى، فربما ليس أكثر من تركيا نقيضا تاريخيا وحضاريا لمصر من الاستبس كقوة «شيطانية» مترحلة، واتخذت لنفسها من الأناضول وطنا بالتبنى، وبلا حضارة هى، بل كانت «طفيلية» حضارية خلاسية استعارت حتى كتابتها من العرب.
ويسترسل جمال حمدان فى وصف الدولة المشوهة ومنزوعة الجذور الحضارية والتاريخية، عندما قال نصا فى كتابه: «ولكن أهم من ذلك أنها تمثل قمة الضياع الحضارى والجغرافى، غيرت من جلدها وكيانها أكثر من مرة، الشكل العربى استعارته ثم بدلته بالشكل اللاتينى والمظهر الحضارى الآسيوى نبذته وادعت الوجهة الأوروبية، إنها بين الدول بلا تحامل، الدولة التى تذكر بـ«الغراب» يقلد مشية الطاووس، وهى فى كل أولئك النقيض المباشر لمصر ذات التاريخ العريق والأصالة الذاتية والحضارة الانبثاقية... إلى آخره.
ما قاله جمال حمدان، ذكرته من قبل فى مقالى المنشور يوم 21 يوليو الماضى، تحت عنوان «عالم جغرافيا يصف تركيا بـ«الغراب والقوة الشيطانية».. وسر كراهية أردوغان لمصر!!
ونظرًا لسياسة تركيا، المتزايدة فى الوقاحة والانحطاط يوما بعد يوم، ضد مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، قررت إعادة ما سطره الدكتور جمال حمدان، مرة أخرى، لأن فى التكرار، تذكرة، وزيادة فى الالتصاق على جدران الذاكرة ضد عوامل تعرية النسيان..!!
الدكتور جمال حمدان استطاع التوصل إلى توصيف علمى موثق للدولة التركية، فى كتاب صدر عام 1967 أى منذ ما يقرب من 51 عاما، حتى لا يخرج البعض ليؤكد أن سبب هذا التوصيف لوريثة الدولة العثمانية، الآن ويأتى فى ظل احتضانها جماعة الإخوان، وحلفائها وكل أعداء مصر، والسعودية..!!
بالطبع، مصر ظلت وستظل تمثل للأتراك كل العقد وليس عقدة وحيدة، فهى الدولة التى يحتسب عمرها بعمر هذا الكون، بينما تركيا بلا تاريخ، ووطن بالتبنى، فاقد الهوية، وغيرت جلدها أكثر من مرة، بالشكل العربى تارة، ثم استبدلته بالشكل اللاتينى تارة أخرى، وأخيرا إلى الشكل الأوروبى.
كما لن ينسى الأتراك، خاصة رجب طيب أردوغان، ما فعله الجيش المصرى بأجداده العثمانيين عام 1839 فى معركة «نصيبان»، عندما لقن الجيش التركى «علقة» ساخنة، مستخدما قوته المفرطة، وتسرد بعض الروايات التاريخية أن الجيش المصرى أفنى كل الجيش العثمانى فى تلك المعركة، وأسروا ما يقرب من 15 ألف جندى وضابط، واستولوا على كل الأسلحة والمؤن، وحاصر إسطنبول، واستسلم الأسطول التركى لمصر فى الإسكندرية، وأصبحت الدولة العثمانية بلا جيش أو أسطول، ولولا التدخل الأوروبى، لكانت تركيا من بين ممتلكات مصر..!!
تركيا، وطن بالتبنى يفتقد كل القيم الحضارية والمكونات الأخلاقية، وفاقد الشىء لا يعطيه، فكيف إذن نطلب من رجب طيب أردوغان ونظامه وحزبه أن يتدثر بالقيم الأخلاقية فى تعامله السياسى مع السعودية أو مصر أو الإمارات..؟!