كنا قد بدأنا الحديث فى المقال السابق عن أول ثلاثة مبادئ فى الطريق لتحقيق العدالة الاقتصادية، واليوم نكمل الجزء الثانى من هذه المبادئ وتتلخص فى مجموعة من النقاط تخص الفرد والمجتمع.
أولا؛ تعتبر العدالة الاقتصادية العمل الوسيلة الوحيدة لنيل حق التملك، والعمل بكل أنواعه وأشكاله، كما تعتبره حقاً للإنسان، وواجبا يمليه عليه الشرف، لذلك فإن غاية العدالة الاقتصادية المثلى توفير العمل وتيسيره واستقراره وحمايته وتحسين ظروفه وشروطه، ومضاعفة الخدمات الاجتماعية المقدمة لكل العاملين، وكفالة الأيدى العاملة، وتسهيل عملها وتنقلها وهجرتها خلال البلد الواحد أو بين مختلف البلدان (مثل دول المجموعة الأوربية - أو الولايات الأمريكية - أو حتى دول مجلس التعاون الخليجى). مما يأمن الأيدى العاملة من سائر المخاطر ومآسى الحياة وإقامة العلاقات الانسانية الخيرة بين أصحاب العمل والعاملين.
ثانيا؛ لما كانت العدالة الاقتصادية تعتبر الوسيلة الوحيدة للكسب فإنها تعتبر – نتيجة لذلك- بأنه لا كسب بلا جهد، ولا جهد بلا جزاء، فهى تحارب الاكتناز لما فيه من خروج عن وظيفة المال الاجتماعية ، فطبيعى ألا نكتنز المال أو نضارب على العملات ، وألا يلد المال المال، إنما يلد المال الجهد والعمل.
والعدالة إذ تدين المضاربة والاكتناز فلأنه لا سبيل كذلك لتضخم الثروة دون جهد وعمل وعناء، وهذا يؤدى إلى تمايز الطبقات وتفريقها، ويزكى العمل والتقدم والمنافسة الحرة الشريفة ويمنع العداوات والتناحر وصراع الطبقات.
واستناداً لما تقدم من أنه لا جهد بلا جزاء ، فإن العدالة الاقتصادية تحارب سائر أنواع القصرى أو الإلزامى، وتدين على السخرة إلا فى حدود درع الكوارث والجوائح والأوبئة ومكافحة قوى الطبيعة القاصرة والحروب، وكل ذلك فى إطار القوانين المنظمة لذلك والمتفقة مع الأعراف الدولية وحقوق الانسان ودساتير الدول.
ثالثا؛ وأخيرا هنا العدالة الاقتصادية تقر مبدأ الضمان الاجتماعى العام لكل من هم فى حالة بطالة عن العمل، باحث عنه، ولكل عاجز وغير قادر ومحروم ويحتاج دون تمييز فى الدين أو الجنس أو المنشأ أو الأصل، على أن تمول التأمينات الاجتماعية من حصائل الضرائب التصاعدية على الدخول وكل أنواع الضرائب الأخرى، خاصة على الطبقات فوق المتوسطة والأغنياء (مباشرة كانت أو غير مباشرة) ومن الرسوم وسائر وسائل التمويل المحلية والدولية الأخرى على الواردات.
وسوف نقدم فى مقال آخر باقى مبادئ العدالة الاقتصادية الشاملة لتكون سبباً فى تجنب البشرية هاوية العدم الكامل، والحفاظ على بنى آدم من الفناء!