منذ طفولتى لا أحب البطاطس، كانت أمى، رحمة الله عليها، تسألنا كل يوم ماذا تأكلون؟ ويجيب كل منا بنوع الأكل والخضار الذى يحبه، لكن والدتى كانت تقدم لنا دائما البطاطس، ولك أن تتخيل فى الإفطار، البطاطس المحمرة، وفى الغذاء صينية البطاطس، وفى العشاء البطاطس «البورية»، وكانت تتغير أنواع طبخ البطاطس، حيث يمكن عمل بطاطس مسلوقة مع البيض، وبطاطس فى الفرن، وبطاطس باللحمة، وكانت والدتى تتفنن فى التنوع فى طبخ البطاطس حتى يمكنها عمل محشى بطاطس بالأرز ومحشى بطاطس باللحمة المفرومة، وأيضا بطاطس مخللة، هربت من البطاطس ووالدتى إلى روسيا للدراسة، وجدت أن البطاطس تكاد تذكر فى النشيد الوطنى، وتفوقت السيدة الروسية فى أنواع طبخ البطاطس عن والدتى وأضافت بطاطس بالكريمة، وشوربة بطاطس باللحمة، والفراخ، والسمك، بل وتورتة بطاطس، واختراع انواع من المشروبات من عصير البطاطس، ووصل الأمر إلى أن البطاطس كانت من رموز الصمود فى الحرب العالمية الثانية، حتى أصبحت «الخضارالوطنى والتقدمى»، وكل الأفلام الروسية ترتبط بشكل أساسى فى الطعام بالبطاطس.
دخلت البطاطس أفلام السينما العالمية، وتشكلت جمعية جيرنزى للادب وفطيرة قشرة البطاطس، وأنتج فيلم رومانسى تاريخى كوميدى بريطانى بطولة مايك نيويل وتوماس بيزوتشا، إخراج دون روس، الفيلم مقتبس من رواية بالاسم نفسة من تأليف مارى أن شيفر وانيباروز سنة 2008، عن قصة حب بين جوليت اشتون «ليلى جيمس» وأعضاء جمعية جيرنزى للادب وفطيرة قشرة البطاطا، وعندما تشاركهم تجاربهم التى اختبروها فى جزيرة جيرنزى التى احتلها النازيون، تراودها فكرة تأليف كتاب.
كما لعبت البطاطا أو البطاطس دورا فى الأدب أو السينما المصرية فنجد رواية الحرام ليوسف إدريس والتى تحولت إلى فيلم للمخرج بركات، بطولة فاتن حمامة، وزاوية المقارنة هى عنصرا الصوت والصمت فى العملين، وتعبير اللغة الأدبية والسينمائية عنهما، كذلك الوظيفة السردية لكل من الصوت والصمت فى دراما الرواية والفيلم، ودراسة الاقتباس فى هذين النموذجين تعتمد على أدوات السيميولوجيا، ونظرية السرد فى قراءة الأعمال، كنصوص مغلقة، بعيداً عن علاقة النص بالسياق، وكيف ارتبط «جدر البطاطا» بمصير طبقة وإنسانة، صورت الرواية والفيلم، جوانب الظلم الاجتماعى الذى تعيشه طبقة مهمشة من طبقات المجتمع، وذلك من خلال بيان أن الحرام الذى وقعت فيه بطلة القصة يندرج فى دائرة حرام أكبر يقوم به أهل البلد الفقراء مع عمال التراحيل الذين هم أفقر منهم، فهو الحرام الحقيقى، وقد قدمت الرواية من خلال إطار فنى محكم ولغة شديدة العذوبة.
والبطاطس جزء من مكونات الجمال والقبح، ويقال عن أنف المرأة غير الجميلة «مناخيرها زى البطاطساية»، وفى كوبا العكس يشيدون بالمرأة بالقول: «جميلة ويطلع منه أى شىء مثل البطاطا»، وفى إسبانيا يقولون «بطعم البطاطس»، وهكذا دخلت البطاطا كل مفردات الحياة، من الأمثال للفن للأدب والسينما، لوصف الجمال، والبطاطس الخضار الوحيد الذى يوجد على كل موائد العالم، بل الأساطير مثل الأساطير السريانية.
فى مصر تسمى البطاطس وفى بلاد الشام البطاطا، وهى معروفة منذ القدم.
وهى من أكثر محاصيل الخضراوات انتشارًا فى العالم، كما أنها واحدة من أشهر الأطعمة، ولها قيمة غذائية وأضرار صحية كذلك، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من كثير من المأكولات فى العالم، فالبطاطا محصول غذائى يُزرع فى كل أنحاء العالم، وهى مصنفة فى المركز الرابع من حيث الأهمية بعد القمح والأرز والذرة. وتحتاج البطاطا إلى رعاية خاصة عند تخزينها، إذ إنها تخزن فى مستودعات باردة لتجنب فسادها، وهناك أكثر من ألف نوع من البطاطس، وهى نوع الخضراوات الوحيد المعروف فى كل بلاد العالم.
أصل الكلمة من الإسبانية الشعبية كلمة «بطاطا» مأخوذة من جبال الأنديز ومنطقة البحر الكاريبى، وفى البلدان العربية خاصة الشام والمغرب العربى تسمى بطاطا، وفى أمريكا الجنوبية قام الأنديز بصناعة مادة خفيفة منها تسمى «شونو» واستخدموا هذا بديلا للخبز، وكان المستكشفون الإسبان أول من أكل البطاطا من الأوروبيين، وعرفت إنجلترا البطاطس من القرن السادس الميلادى، ومنها إلى أيرلندا، وعرفت امريكا الشمالية البطاطا فى القرن السابع عشر بعد هجرة الإنجليز إليها، ومنذ مطلع القرن العشرين صارت البطاطس معروفة على كل موائد العالم. وصارت غذاء شعبيا سهل الهضم وله مميزات كثيرة، لاحتوائها على الأملاح المعدنية التى تعد واقية من سرطان الأمعاء، ولكن من أضرار البطاطا أنها تسبب السمنة، حيث تحتوى على كمية كبيرة، ولكنها تعتبر سكريات بطيئة أى أنها تساعد على نمو الطاقة.
وأصبحت البطاطس بكل مميزاتها خطرا على الأطفال حتى إن لتعريف الأبطال بالفائدة الغذائية للبطاطا والبطاطس أقامت بعض المسارح مثل ساقية عبدالمنعم الصاوى فى إطار نشاطها الثقافى والمسرحى عروض ماريونيت للأطفال بعنوان البطاطا والبطاطس، تتضمن العروض مادة تعليمية تثقيفية ترفيهية للأطفال للمزايا الغذائية لكل من البطاطس والبطاطا كما تقام عروض أكروبات للأطفال، كما دخلت البطاطس الحياة السياسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث كان هتلر يعلم مدى دور البطاطس فى صمود الشعوب السوفيتية، فكان يضرب بالطيران حقول البطاطس، والآن نرى تجارا خاضعين لتيار الإخوان يلعبون دورا فى محاولة ضرب سوق البطاطس فى بلادنا، دخلت أزمة البطاطس فى مصر على خط السياسة والفتاوى الدينية، أمس، وشنت وزارة الداخلية حملات رقابية على الأسواق لملاحقة محتكرى البطاطس بهدف رفع أسعارها. بينما جرى تداول فتاوى على مواقع التواصل حرّمت تخزين السلع ومنعها عن الناس لبيعها فيما بعد بأسعار مرتفعة. وعدّت الفتاوى أن احتكار السلع ورفع أسعارها على المشترين «خيانة للأمانة». الفتاوى شددت أيضاً على ضرورة الضرب بيد من حديد لكل من يحاول المساس بأى من مقومات الحياة لأى مواطن، مطالبة جميع المؤسسات الرسمية بأن تضطلع بدورها فى اتخاذ الإجراءات الوقائية ضد حدوث مثل هذه الأمور لأى سلعة من السلع الأساسية.