يبذل حزب الله، عميل إيران في لبنان، جهوداً حثيثة كي يقدّم نفسه في صورة المقاومة اللبنانية ضد العدوان الإسرائيلي، وفي صورة تنظيم سياسي يمثّل جميع المواطنين اللبنانيين. أما الواقع فمغايرٌ تماماً. لقد انطلق "حزب الله" في شكل جناح إيراني على ضفاف المتوسط يدّعي الوقوف في وجه إسرائيل لتبرير أنشطته الإرهابية ضد المصالح العربية والغربية.
ليس قلق "حزب الله" على المصالح الفلسطينية سوى مجرد واجهة لاستقطاب المجنّدين. النزاع الذي أشعل الحزب فتيله مع إسرائيل، من دون سابق تصور وتصميم، عام 2006 بعد إقدامه على خطف جنود إسرائيليين وقتلهم، لم يدخل في حسابات أمينه العام حسن نصرالله الذي فوجئ بحجم الرد الإسرائيلي وأقرّ لاحقاً أنه لو علِم أن عملية الخطف ستؤدّي إلى نزاع شامل، لما أصدر أوامره بخطف الجنود.
لا يُخفى على أحد ما يقوم به "حزب الله" من عمليات إرهابية، واحتجاز للرهائن، واغتيالات تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، لكن الحكم الصادر عن قاضٍ في محكمة فيدرالية في الولايات المتحدة والذي كشف بأن "حزب الله" متواطئ مع مرتكبي هجمات 11 سبتمبر 2001 على برجَي مركز التجارة العالمي والبنتاغون، لم يلقى الاهتمام اللازم في عناوين النشرات الرئيسة سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا.
نشرت صحيفتا "الشرق الأوسط" و"جيروزاليم بوست" الخبر، لكنه كان موضع تجاهل شبه كامل في وسائل الإعلام الغربية التي تسعى حكوماتها إلى إبرام صفقات مربحة مع طهران التي تطفح صناديقها الآن بأكثر من مئة مليار دولار بعد رفع العقوبات.
نظراً إلى الصدمة التي عاشها الشعب الأمريكي في ذلك اليوم المشؤوم الذي لا يزال شبحه يطارد عدداً كبيراً من الأمريكيين، لا سيما أقرباء الضحايا وأصدقائهم، أقل ما يقال هو أن الصمت النسبي من وسائل الإعلام الغربي حول المسألة أمرٌ يدعو للاستغراب. والأكثر غرابة هو أن الولايات المتحدة حذفت إيران و"حزب الله" على السواء من قائمة التهديد الإرهابي على الرغم من الأدلة الدامغة التي تثبت العكس تماماً. لو تم استطلاع آراء الشعب الأميركي حول رأيهم، لجاء جواب الأكثرية الساحقة حاسماً لا يرقى إليه الشك.
فضلاً عن ذلك، أبدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما امتعاضه من الإجراءات التي اتخذتها السعودية وسواها من دول مجلس التعاون الخليجي لتصنيف "حزب الله" في خانة التنظيمات الإرهابية، ووقف المساعدات إلى الجيش اللبناني المخترَق من "حزب الله"، وتحذير رعاياها بعدم السفر إلى لبنان.
في 15 ديسمبر 2011، أصدر القاضي جورج دانييلز حكماً قضى بأن إيران و"حزب الله" تآمرا مادّياً ومباشرة مع تنظيم "القاعدة" لمهاجمة أمريكا على أراضيها، وأنه يتوجّب عليهما بالتالي دفع تعويضات لأُسر الضحايا.
لم يتوصّل إلى استنتاجاته هذه من العدم. فالحكم الذي خلص إليه ضد المرشد الأعلى الإيراني، والرئيس الإيراني سابقاً علي رفسنجاني، والحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" مدعوم بـ53 صفحة من الأدلّة والإثباتات فضلاً عن الشهادات التي أدلى بها ثلاثة منشقّين إيرانيين، وثلاثة أعضاء في لجنة 11 سبتمبر، وعملاء في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه)، وصحافيون متخصصون في التقصي.
تُختصَر الاستنتاجات التي توصّل إليها القاضي على الشكل الآتي:
• ساعدت إيران إرهابيي "القاعدة" عبر السماح لهم بالسفر بحرية من أفغانستان إلى بلدان أخرى عن طريق الأراضي الإيرانية حيث لم يتم ختم جوازات سفرهم من أجل الإفساح في المجال أمامهم للدخول بسهولة إلى الولايات المتحدة.
• حصل الإرهابيون الهاربون من الاجتياح الذي تقوده الولايات المتحدة على ملاذ في إيران مع عائلاتهم.
• أفاد أحد الشهود أن إيران إستحصلت على جهاز محاكاة للطيران على طائرات بوينغ 757-767-777 عبر استخدام شركات وهمية لتسهيل تدريب الطيارين الذين اختطفوا الطائرات.
• تثبت مذكّرة صادرة عن الحكومة الإيرانية أن المرشد الأعلى الإيراني كان على علم مسبق بالهجمات.
• أوردت لجنة 11 سبتمبر الرسمية أن "مسؤولاً كبيراً في حزب الله" تم التعرف عليه على أنه عماد مغنية تولّى تنسيق أنشطة "القاعدة"، وأنه كان هو أو أحد أعوانه على متن الرحلات نفسها التي استقلّها الخاطفون من بيروت إلى طهران.
• ساعد "حزب الله" الخاطفين في التخطيط وقدّم لهم النصائح والإرشادات حول آليات الهجمات.
يبذل "حزب الله" محاولات عقيمة كي يثبت للشعب اللبناني والعالم أنه ينأى بنفسه عن الإرهاب، فيما يتواطأ مع تنظيمات أخرى خلف الكواليس.
بيد أنه كشف النقاب ليفتضح تآمر "حزب الله" مع فرعه في السعودية للهجوم على مجمع أبراج الخُبَر السكني، ومع تنظيم "القاعدة" لتفجير السفارات الأمريكية في أفريقيا وكذلك المدمّرة الأمريكية "يو إس إس كول".
عام 1992، أصدر "حزب الله" تعليماته إلى تنظيم "الجهاد الإسلامي" لتفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس أيرس انتقاماً لمقتل أمينه العام السابق عباس الموسوي.
ومؤخراً، أدانت محكمة مصرية عناصر من "حزب الله" بتهمة الدخول بطريقة غير شرعية إلى مصر بهدف التآمر مع مجموعات أخرى لتهريب أصدقائهم الإرهابيين من السجون خلال ثورة 2011.
الأسبوع الماضي، أصدرت المحكمة الأمريكية حكماً قضى بإلزام إيران بدفع 11 مليار دولار أمريكي لعائلات الضحايا التي اتّخذت صفة الادعاء في القضية، وكذلك بدفع ثلاثة مليارات دولار أمريكي للعديد من شركات التأمين. العائلات المعنية مسرورة بالقرار، لكن إذا لم يحظَ الحكم بالدعم من إدارة أوباما التي تمتنع عن توجيه إصابع الاتهام إلى إيران أو "حزب الله" في هجمات 11 سبتمبر، لذا فإن حظوظ تلك العائلات بالحصول على تعويضات عن الآلام والمعاناة التي تكبّدوها، شبه معدومة.
أوردت صحيفة "الشرق الأوسط" أن المعلومات الاستخباراتية من الصين والمكسيك وكندا كشفت أن "حزب الله" يعمل، بدعم من إيران، على توسيع أنشطته المشبوهة ومنها الاتجار بالمخدرات على نطاق واسع في فنزويلا والمكسيك ونيكاراغوا وتشيلي وكولومبيا وبوليفيا والإكوادور والمنطقة الواقعة بين الباراغواي والأرجنتين والبرازيل.
كشف شخصٌ على صلة بـ"حزب الله" تحتجزه السلطات المكسيكية بعد إلقاء القبض عليه وبحوزته أوراق ثبوتية مزوّرة ومخدرات عند الحدود مع الولايات المتحدة – كشف إذاً عن وجود خلايا تابعة لـ"حزب الله" في مختلف أنحاء العالم مهمّتها تحديد الأهداف المحتملة.
في هذا الصدد، لا بد من التوقف عند تقرير استخباراتي خرج إلى الضوء مؤخراً وضعه سيد بلومنثال الصديق المقرب من هيلاري كلينتون. يتهم التقرير "حزب الله"، بالاستتناد إلى معلومات مستمدّة من مصادر استخباراتية إسرائيلية، بإنشاء قاعدة في كوبا للتخطيط لهجمات إرهابية في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية.
في غضون ذلك، وعلى الرغم من تساهل الحكومة الأمريكية في التعامل مع إيران و"حزب الله"، أعلنت السعودية عن تجميد الحسابات المصرفية العائدة لكل من يُشتبَه في انتمائه إلى "حزب الله" أو تعاطفه معه، ومصادرة أملاكهم. وتعمد دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى إلى ترحيل اللبنانيين الذين يُعرَف عنهم أنهم على ارتباط بالتنظيم.
أياً كانت عباءة البراءة التي يلتف بها "حزب الله"، لا يمكن أن تكون كبيرة بما يكفي لحجب أعماله الإجرامية. ربما لا يرغب الرئيس أوباما في الإقرار بمدى خطورة "حزب الله" بالنسبة إلى لبنان والمنطقة والعالم، لكن فيما تشارف ولايته على الانتهاء، لا يسعني سوى أن آمل بأن يفتح الرئيس الأمريكي العتيد عينَيه جيداً.